كان أصلهما مختلفًا يحل التفاضل فيه. وحكي هذا عن ابن القاسم، لكن مقتضى أصل ابن القاسم أن يكون أخبازهما صنفين، كما كانت أصولهما؛ كما وقفنا لك في أخباز القطنية أنها مختلفة لأجل اختلاف أصولها. وأما بيع الخبز بالهريسة، فبعض أشياخنا يراه جائزًا متفاضلًا، وهما صنفان لاختلاف الغرض فيهما، وبعض الأشياخ يتردد في هذا إذا بني على الرواية التي ذكرنا عن الموازية في بيع الأرز المطبوخ بالهريسة وقدر بأن اللحم لم ينقل الأرز أو اللحم عن أصلهما مطبوخين والهريسة كذلك.
وإذا وضح أن المذهب إجراء المطبوخات مجرى واحدًا، لتقارب الأغراض فيها على حسب ما قدمناه، فإن التفاضل لا يحل فيها، والمساواة بالوزن، يصير موجب الرجوع إلى طلب المساواة بالتحري. وتنازع المتأخرون في صفة هذا التحري، فقال الشيخ أبو محمَّد بن أبي زيد: تجري المساواة في اللحوم وامْراقها، لأن حكم مرقها كحكم لحمها، وكذلك يكون التحري في الهريسة إذا بيعت بالهريسة. ورأى غيره من الأشياخ أن التحري إنما يكون في اللحم خاصة، دون الأمراق. فكيف جرت الحال على هذا الاختلاف فإن المسألة تتعلق بمسألة أخرى نذكرها بعد هذا إن شاء الله تعالى، وهي بيع صاع قمح وصاع دقيق بصاع قمح وصاع دقيق، فإن المرق وإن عدّ حكمه كحكم أن الدقيق ليس هو صورة القمح وإن كان هو أجزاء القمح، كما قدمناه قبل هذا.
وإن قلنا: إن الأمراق، وإن كانت تبعًا، فلا بدّ أن ترعى (١) حكم الربا فيها في نفسها، جرت على ما ذكرناه من بيع قمح ودقيق بمثلهما. ولا يكون بين المسألتين فرق إذا قيل: إن الاتباع تُراعى في نفسها في أحكام الربا.
وإذا علمت الحكم في التحري وما فيه من الاختلاف في بعض المسائل، فإن اللحم إذا بيع باللحم، طريًا بطري، تتحرى المساواة بين اللحمين على ما هما عليه. وذهب ابن شعبان من أصحابنا إلى أن التحري إنما يكون بين