للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رضي الله عنه بقوله: قد يترك فضل شيء على غيره لما أخذ عن فضيلته في الأخذ. وبهذا علل الشافعي أيضًا، وقال: إن كل معاوضة تفتقر للتقويم لا تتحقق فيها المقابلة للمفرد إلا بعد النظر والتقويم، والنظر والتقويم قد يخرج إلى التفاضل، أو يمنع تيقن المساواة، فوجب المنع. ألا ترى أن من باع شِقصًا بدابة وثوب فإنه لا يدري ما يقابل الشقص من الثوب والدابة إلا بعد التقويم، فإذا قوم ذلك بقي عليه ما يستحق من شفعة أو رجوع بثمن مغيَّب أو ثمن مستحق وهذا يؤكد ما قلناه من الوقوع (١) والتفاضل أو الجهل بالمساواة.

وأبو حنيفة يجيب عن هذا بأن الحديث ذكر في بعض طرقه أنه وجد في القلادة على حسب ما ذكرنا عنه. وقد قال الطحاوي إن حديث فضالة بن عبيد فيه اضطراب، وقد روي موقوفًا عليه، فإن صح أن الحديث مَرْفوع، فإنما نهى عن ذلك لئلا يغبن أهل المغنم فيما يبيع لهم. وقد كشف الغيب وجه الغبن لأنه وجد في القلادة من الذهب أكثر من وزنها.

عندي أنه إنما أشار بوقف هذا الحديث على فضالة بن عبيد بما خرجه مسلم عن عمر (٢) أنه قال: كنا مع فضالة بن عبيد فقال: انزع ذهبها فاجعله في كفة، واجعل ذهبك في كفة، ثم لا تأخذنّ إلا مثلًا بمثل، سمعت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلًا بمثل" (٣).

ويجيب أصحاب أبي حنيفة عما ذكرناه من طرق الاعتبار، بأن ها هنا العقد لا بدّ من اعتبار أنواع الاقتسام فيه، فاعتبرتم أنتم الاقتسام من ناحية التوزيع والفصل، ليحصل لكم التفاضل من ناحية التقويم بين الذهبين أو الطعامين. واعتبرنا نحن التقسيم من جهة أخرى، وهو أن العقد إن قصد فيه إلى مقابلة الفرد بالفرد، بأن يجعل صاع التمر قبالة أحد الصاعين، والدينار الذي مع


(١) هكذا في الجميع، ولعل الصواب: في.
(٢) هكذا في جميع النسخ، والصواب: حَنَش. إكمال الإكمال: ٤/ ٢٧٣.
(٣) الإحالة السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>