للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب عن السؤال الثاني أن يقال:

اختلف الناس في اعتبار حماية الذريعة في بياعات الآجال، فأثبته مالك وأبو حنيفة، وأنكره الشافعي تعلقًا منه بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (١). وعموم هذا يقتضي جواز ما منعه مالك وأبو حنيفة في بياعات الآجال التي بني المنع فيها على حماية الذريعة. وهكذا استدل بعموم قوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (٢). وهذه البياعات المشار إليها هي تجارة عن تراض من المتبايعين.

ويستدل أيضًا بأن مالكًا وأبا حنيفة وغيرهما من المانعين لهذه البياعات، التي يأتي التفصيل عليها، إنما اعتمدوا على تهمة المتبايعين وأن ما أظهراه من بياعات جائزة وأخبرا أنهما عقدا في الباطن على ما اقتضاه الظاهر لم يصدقا في خبرهما يقينًا، وقد يظن بهما أنهما تحيلا، بما أظهرا، على عقد بيع لا يجوز في الشرع، وهذا سوء ظن بالمسلمين وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (٣) والشرع إنما أمر بتحسين الظن بالمسلمين لا بسوء الظن بهم.

وأما مالك وأبو حنيفة وغيرهما، فإنهم يستدلون بقوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْ وَا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (٤) فنهى عن سبّ أصنامهم وغيرها مما يعبدونها مما لا حرمة له لئلا يدعوهم ذلك إلى سب الله سبحانه.

فهذا كالتنبيه على منع الجائز لئلا يكون سببًا في فعل ما لا يجوز.

ويستدلون أيضًا بقوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} (٥) ومعنى ذلك أن هذا الضرب، وإن كان في نفسه جائزًا، فإنه نهي


(١) سورة البقرة: ٢٥٧.
(٢) سورة النساء: ٢٩.
(٣) سورة الحجرات: ١٢.
(٤) سورة الأنعام: ١٠٨.
(٥) سورة النور: ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>