والتّعليل المتقدّم ذكرهما منع شراء قمح أو أقلّ من القمح الأوّل بثمن هو أقلّ من الثّمن الأوّل, لأنّ البائع إذا باع مائة قفيز بمائة دينار إلى أجل ثمّ اشترى ثمانين قفيزًا بثمانين دينارًا، فإنّ العشرين الزّائدة على الثّمانين قفيزًا مبيعة بالعشرين دينارًا الّتي يأخذها البائع الأوّل إذا حلّ الأجل. وقد أسلف ثمانين دينارًا ليأخذها عند الأجل، وتقدّر أيضًا الثّمانون قفيزًا قمحًا كسلف ارتجعه.
وأنت إذا اتّبعت ما أصّلناه أوّلًا مع اعتبار ما خرج من يده وما يعود إليها، وقابلت أحدهما بالآخر، علمت فروع هذا الفصل كلّها لكن وقع اضطراب في قسم واحد يتعلّق بهذا الفصل، وهو أن يشتري القمح الثّاني بمثل الثّمن الأوّل، ولكن القمح الثَّاني أقلّ في المكيلة، فإنّ هذا وقع فيه الاضطراب بين المتأخّرين فيما يضاف إلى المذهب في هذه المسئلة. فأشار بعضهم إلى أنّ ظاهر كتاب بيوع الآجال من المدوّنة يقتضي المنع منه. وذلك أنّه ذكر في المدوّنة في هذا السؤال أنّه لا بأس أن يشتري بمثل الثّمن فأكثر إذا كان مثل المكيلة الّتي باع أوّلًا. وتقييد هذا الجواب يقتضي دليل الخطاب أنّه إذا باع بمثل الثّمن ما هو أقلّ من المكيلة، فإنّه لا يجوز لاشتراطه أن يكون القمح الثّاني مثل المكيلة، ودافع عن هذا كثير من الأشياخ ورأوا أنّه لم يرد بهذا التّقييد إثبات دليل لهذا الخطاب.
فقيل لهم: إن دافعتم عن هذا كون هذا الخطاب لم يرد به أنّ المسكوت عنه بخلاف المنطوق به، فإنّ في المدوّنة في كتاب السلم منع من باع طعامًا أن يقتضي من ثمنه مكيلة هي أقلّ من المكيلة الّتي باع أوّلًا، مثل أن يبيع مائة قفيز قمحًا بمائة دينار إلى شهر، فإذا حلّ الأجل أخذ عوض الثّمن خمسين قفيزًا ثمنًا للمائة قفيز المبيعة أوّلًا. وبيع القمح بالقمح متفاضلًا نسيئة لا يجوز. وقد تصوّر هذا في هذه المسئلة، فانفصلوا عن هذا بأنّ من اقتضى من ثمن طعام باعه طعامًا، فإنّه يجري مجرى الإقالة. وقد أخلى الذْمّة من الثّمن بهذه المعاملة الثّانية وسقط بها الثّمن الأوّل. فلمّا سقط من الذّمّة وجرى ذلك مجرى الإقالة الّتي هي حلّ العقد، صار ثمن المائة قفيز المبيعة أوّلًا خمسين قفيزأوهي الّتي أخذت أخيرًا.