الأولى، وشراء البائع الأوّل خمسين قفيزًا من الّذي اشترى منه القمح الأوّل لا يسقط الثّمن الأوّل عن ذمّته، ولا يحل العقدَ الأوّل بل تبقى ذمّة المشتري عامرة متبوعة بالمائة دينار الّتي تعاقدا عليها أوّلًا. ولا يصحّ كون الخمسين قفيزًا ثمنًا للمائة قفيز ها هنا مع كون ثمن المائة قفيز باقية في الذّمّة لم يسقط عنها، فيكون لها ثمنان: المائة دينار والخمسون قفيزًا، والّذي اقتضى الخمسين قفيزًا من ثمن الطّعام الأوّل قد أسقط الثّمن الأوّل، فصحّ تقدير كون هذه الخمسين قفيزًا ثمنًا للمائة قفيز الّتي بيعت أوّلًا.
فإذا وضح حكم بيع الإنسان طعامًا ثمّ يشتري مِمّن اشتراه منه طعامًا يمكن أن يكون هذا الطّعامَ بعينه، فلنتكلّم على ما يعلم أنّه ليس هو عين المبيع الأوّل، مثل أن يبيع منه ثيابًا ويشتري منه أمثالها، فإنّ في هذا قولين أجازه في المدوّنة ومنعه سحنون وابن الموّاز. وكأن هذه المسئلة واسطة بين طرفين أحدهما أن يشتري جنسًا آخر غير المبيع الأوّل ممّا تَبَاعدُ فيه الأغراض، فإنّ هذا واضح كون البيعة الثّانية لا تعلّق لها بالبيعة الأولى، لاتّضاح اختلاف الأغراض وتباين المقاصد، فتحمل البيعة الثّانية على أنّ سببها اختلاف الغرض ما بين البيعة الأولى والثّانية لا على التحيّل على ما لا يحلّ من أمثال ما قدّمناه، فلا يمنع.
وإذا كان المبيع ثانيًا هو بعينه المبيع الأوّل، أو شكّ هل هو الأوّل أو غيره؟ منع ذلك رجاء عذر ارتجاع نفس المبيع مع تقارب الأغراض، فحسنت ها هنا حماية الذريعة، وكون السبب في المعاملة الثّانية التحيّل على ما لا يجوز. فهذان طريقان واضحان على أصل المذهب. فإذا باع ثيابًا ثمّ اشترى مثلها، فإنّه يعلم أنّ البيع الثّاني ليس هو الأوّل فيجري مجرى شراء جنس آخر، فيجوز. ومن حيث كون المنافع والأغراض متقاربة يحسن أن يجري هذا الثّاني مجرى ارتجاع الأوّل بعينه. فلأجل هذا وقع الخلاف في هذا. وقد علّل في المدوّنة بأن الثيّاب من استهلكها يغرم قيمتها. ومن استهلك الطّعام غرم مثله، ليشير إلى ما قدّمناه من أنّ غرامة القيمة تشعر يكون الشّيء بعينه كأنّه جنس آخر،