للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من الأوَّل، كما قدَّمناه من التعليل، وإما اقتصاره، في هذه الرواية على ألَاّ يعطى منه الثالث إلَاّ قيمة العيب خاصَّة. فلأجل أنَّ الثالث لم يدلس عليه من باع منه، ولا يقدَّر أنَّ الأول كالمدلس عليه, لأنَّه وإنْ كان كالسبب في هذا، فإنَّ السبب إذا ضعف لا يؤثر، وإذا قوي أثَّر. وهو فيما بين الأوَّل والثاني. فلهذا وجب رد الأوَّل على الثاني ما قبض منه وهو ضعيف فيما بين الأوَّل والثالث، فلهذا لم يجب أن يرد على الثالث جميع ما دفع.

واختار ابن الموّاز مذهبًا ثالثًا وهو كون الأوَّل لم يضر الثاني بتدليس، فصار تدليسه لا تأثير له، على حسب ما علَّلناه في مذهب ابن القاسم فيمن باع عبدًا معيبًا فباعه مشتريه قبل أن يعلم بالعيب ثمَّ علم به، فإنَّه لا رجوع له على من باع منه، لكون هذا العيب لم يلحق المشتري منه ضرر لمَّا باع، على حسب ما قدَّمنا بيانه، فكذلك ها هنا لمَّا باع الأوسط ولم يبخس لأجل العيب شيء فيسقط حكم التدليس فيما بينه وبين البائع. وهذا الأوسط لمَّا باع هو غير مدلس أيضًا. فالتدليس لا يتصوَّر ها هنا. لكن كنَّا قدَّمنا في المسألة التي مثلنا بها ها هنا فيمن باع عبدًا اشتراه معيبًا أنه لا مقال له عند ابن القاسم ألَاّ (١) يفوت العبد في يد مشتريه الثاني، فإنَّ المشتري الأوَّل إذا رجع عليه المشتري الآخر بقيمة العيب رجع هو أيضًا على من باع منه بما غرم من ذلك للحوق الضرر له بهذه الغرامة، أو بإكمال الثمن الذي دفعه أو قيمة العيب من الثمن الذي دفعه أيضًا، يرجع بالأقل من هذه الثلاثة أوجه على حسب ما قدَّمنا بيانه وتعليله. وكذلك يجب أن يكون للثالث أن يرجع ها هنا على الأوَّل المدلس بما كان يرجع به عليه الثاني إذ طالبه الثالث بالواجب في هذا، وهو الأقل ممَّا يغرمه الأوَّل للثالث ممَّا غرم الثالث، أو إكمال رأس ماله أو قيمة العيب من ثمنه. وكأنَّ ابن المواز قدَّر أنَّ حكم التدليس قد ارتفع لما بيَّناه، فلا يكون للأوسط في العيب مقال، إلَاّ أن يلحقه ضرر منه. فإذا لحقه الضرر أزيح ذلك الضرر بما يدفعه، وهو أحد هذه الوجوه الثلاثة.


(١) هكذا في النسختين ولعل الصواب إلا أن.

<<  <  ج: ص:  >  >>