للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من ملكه عن معاوضة. وقد كنَّا نحن قدَّمنا في تعليل هذا ما يقتضي كون هذا التخريج ممَّا يفتقر إلى نظر.

ولو اختلفا في وجود الإباق عند المشتري فقال المشتري أبق مني فعليك رد الثمن، وقال البائع: بل أنت أخفيته لتسترجع مني الثمن، فإنَّ القول قول المشتري. قال مالك رضي الله عنه: لأنَّه ادَّعى ما يشبه، والظالم أحق أن يحمل عليه. وهذه منه إشارة إلى كون البائع (.....) (١) بهذا العيب يقتضي تصديق المشتري، لكون هذا الفعل الذي ادَّعاه المشتري قد تقدَّم من العبد، وتقدُّمه من العبد، وكونه قد أبق، يقتضي أنَّه فعل ذلك الآن كما فعله فيما سلف. ولو تحقَّقنا أنَّه أبق لوجب رد الثمن إذ كان البائع مدلسًا. فكذلك إذا كان الظاهر أنَّه أبق مع كون البائع ظالمًا ينبغي أن يحمل عليه. كما قيل في أحد القولين فيمن اغتصب صرَّة فيها دنانير، أنَّ القول قول المغصوب منه في مقدارها, لكون الغاصب ظالمًا، فهو أحق أن يحمل عليه.

وعلى ما قرَّرناه في أنَّ من دلَّس بعيب فهلك المبيع بسبب العيب، أن المشتري يرتجع الثمن، يجب ذلك فيمن اشترى من رجل شعيرًا ليزرعة وبيَّن للبائع أنَّ مراده به ذلك، فزرعه المشتري وثبت أنه لم ينبت، فإنَّ البائع يرد جميع الثمن على المشتري لكونه أتلفه عليه بغروره وتدليسه. لكن لو اشترى منه هذا الشعير، ولم يذكر له أنَّه يريده ليبذره، ولا تفاهما ذلك من قرائن الأحوال تفاهمًا يقوم مقام الاشتراط، فإنَّ البائع لا يلزمه رد جميع الثمن، وإنَّما تلزمه قيمة العيب. واعتلَّ ابن حبيب لهذا بأنَّ الشعير قد يشترى لا لشيء واحد وقد باء البائع بالإثم إن علم أنَّ شعيره لا ينبت فكتنم ذلك. فأشار إلى أنَّ البائع لا يحل محلَّ المدلس الذي هو سبب في إتلاف المبيع على المشتري, لأنَّه قد يعتذر بأنَّه قد يتحقَّق أنَّه أراده للزريعة وظنَّ أنَّه أراده للأكل، فلهذا لم يوجب عليه رد جميع الثمن. فإن قيل: فلم أثمه إن علم أنَّ الشعير المبيع لا ينبت فكتم ذلك؟


(١) بياض في (و) مقداره كلمة - وهي غير واضحة في المدنية. والأقرب أن تكون: مدلسًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>