ولكن لو كان هذا هو مراد السائل، لوجا ذلك في العجميّات أيضًا لأنّه يعرف أنّ العجميّة لا بدّ لها من عاصب، ولكنّه مجهول أيضًا. وإن افترق الحال يكون العجميّة لا يرجى العثور على عاصبها ويرجى ذلك في العربيّة.
وقد سئل يحيى بن عمر عن قرشيّ تزوّج أمة رجل من العجم واستولدها، وأعتق سيّدها ولدها، فقال يبيح بن عمر: ينسب هذا الولد إلى قريش كأنّه ما مسه رقّ قطّ. وأحتجّ بما نقلناه عن مالك في المدوّنة، فأشار بهذا القول إلى أنّه لا يكون للمعتق ولاء إِذا كان المعتَق عربيًّا. فإنّ هذا قد صرّح به بعض الأندلسيّين، فقال: مالك وأصحابه مجمعون على أنّ من أعتق عربيًّا، فإنّه لا ولاء له بعتقه، إلاّ أشهب فإنّه قال: الولاء للمعتق اتّباعًا لعموم قوله عليه السلام: "الولاء لمن أعتق"(١). ولم يفرّق بين كون المعتق عربيًّا أو أعجميًّا.
وذكر ابن شفاعة: أنّ فقهاء الأمصار مجمعون على أنّ الولاء للمعتق، وأنّ أهل العلم لم يختلفوا في أنّ الجاهليّة كانت تسبي بعضها بعضًا. وقد سبي زيد بن حارثة واشترته خديجة ووهبته للنبيّ فأعتقه، فكان ولاؤه له - صلى الله عليه وسلم -. وسبت الرّوم صهيب بن سنان فاشتراه أبو بكر رضي الله عنه فأعتقه، فكان ولاؤه له. وهذا الّذي ذكرناه من الخلاف يقتضي ظاهر الشّرع كون الولاء للمعتق، وإن كان المعتَق عربيًّا. ولا معنى لهذه التّفرقة بين كونه عربيًّا أو أعجميًّا، إلاّ أن يقال: لا بدّ للعربي من عاصب يعلم، فلا ينقطع الولاء ها هنا لوجود نسب هو مقدّم في الشرع عليه.
وقد كنّا أشرنا إلى أنّ العيب يردّ به وإن لم يشترط السلامة منه في أصل العقد. لكون ذلك كالمشترط في العرف عند المتعاقدين. وأمّا تعيين جنس دون جنس، فلا يتضمّنه إطلاق العقد. وإنّما يبقى النّظر في دلالة العرف عليه. وقد كنّا قدّمنا الرّواية فيمن اشترط كون الأمة نصرانيّة فوجدها مسلمة، فإنّ ذلك لا ردّ له به، لكون ما وجد أفضل مِمّا اشترط، إلاّ أن يتميّز غرض المشترط بدليل شاهد الحال.
(١) متفق عليه من حديث عائشة فيض القدير ج٦ ص٣٧٧ ح٩٦٨٦.