فقد قدّمنا نحن ما يشير إلى هذه التّفرقة لمّا اعتذرنا عن قول أهل المذهب إنّ المشتري إِذا حدث عنده عيب يسير لا يغرمه، أنّ البائع يردّ عليه المبيع بمثل هذا العيب لمّا كان العيب من جهة البائع، ويتّهم أن يكون علم به ولم يذكره.
وكذلك أيضًا أشرنا إلى هذا المعنى في منشأ الخلاف بين مالك والشّافعي في المبيع إِذا حدث عند المشتري به عيب فاطّلع على عيب قديم، وإنّ الشّافعي يرى ذلك فوتًا يمنع من الرّدّ على البائع لكون البائع لا يلزمه أن يردّ عليه إلاّ ما باع بعينه، على حسب ما كان عليه. وأنّ مالكًا يرى أيضًا أنّ المشتري لا يلزمه قبول ما لم يدخل عليه، فلمّا تقابل الأمران، غلب مالك رضي الله عنه جنبة المشتري لكونه لم يظلم بكونه مدلّسًا ولا جوز ذلك عليه.
وذهب ابن نافع إلى أنّ المشتري يحلف على البتّ طردًا لما كنّا حكيناه عنه وذكرنا اعتلاله فيه.
وإِذا نكل المشتري أيضًا عن هذه اليمين بعد نكول البائع، بقي البيع منعقدًا على حسب ما كان عليه. هذا المعروف من المذهب. وفي المدوّنة عن ابن نافع في هذا اللّفظ قد يقتضي ظاهره تمكين المشتري بعد هذا النّكول من الرّجوع إلى اليمين لأنّه ذكر في المدنيّة أنّ المشتري إِذا نكل لزم البيع. وظاهر هذا يقتضي أنّه لا رجوع له إلى اليمين بعد هذا النّكول. وقال ابن نافع: لا يردّ المشتري بالعيب إلَاّ حتّى (١) يحلف. وقد يوهم ظاهر هذا أنّه يمكن من الرّجوع إلى اليمين بعد النّكول عنها. ومال بعض المتأخّرين إلى إثبات هذا القول اختلافًا في المذهب.
وهو لفظ فيه إشكال. لكن أصل المذهب يقتضي أنّ النّاكل لا يمكن من الرّجوع إلى اليمين بعد أن نكل عنها إِذا تعلّق لخصمه بنكوله حقّ ومنفعة. ولهذا لا يمكن البائع لو نكل عن اليمين في هذا وردّها على المشتري من الرّجوع عن ذلك قبل أن يحلف المشتري. لكون المشتري قد استحقّ بهذا النّكول أن يحلف