للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يستردّ الأثمان من يد الغرماء الذين قبضوها.

وفي هذا التشبيه عندي نظر؛ لأن الغرماء كأنهم هم الذين باعوا بأنفسهم، وقبضوا مما باعوه، فعليهم أن يردوه إذا استحق ما اشتراه المشتري منهم.

ومسألة الحوالة قد وقع فيها إدخال يد ثالثة، وهي يد المحال، فصار ذلك كالفَوْت للأثمان، كما ننبّه عليه فيما بعد إن شاء الله تعالى.

فإذا تقرر أن في مسألة الحوالة، إذا رفع (١) الاستحقاق، عندنا قولان، فإن الشافعية لم تختلف، فيما علمت، في أن المحال إذا قبض الثمن فإنه لا يُستَرَد منه، وأما إن لم يقبضه حتى وقع الاستحقاق أو الرد بالعيب، فإن المزني في جامعه الكبير: أن الحوالة ثابتة. وذكر في مختصره أن الحوالة باطلة. وكان أصحاب الشافعي يشيرون إلى أنهم ليس عندهم، إذا لم يقبض الحوالة، اختلاف في المذهب، وإنما المذهب عندهم على قول واحد. ولكن اختلفوا: هل الصحيح منه ما قاله المزني في جامعه الذي ألّفه قبل مختصره: إن الحوالة ثابتة، أو الصحيح ما نقله في مختصره بعد ذلك أن الحوالة باطلة؟ فمنهم من رأى أن القول الذي تقدم له غلط، ومنهم من رأى أن القول الثاني هو الغلط، ومنهم من تأوّل قوله فقال: معنى القول بثبوتها، أي إذا قبضت، ومعنى القول بسقوطها أي أنها لم تقبض. هذه حكايته المذهب وأما سبب الاختلاف ففيه اضطراب:

فأما أصحاب الشافعي فإنه نص القولَ. بثبوت الحوالة بأن الشافعي قال: الحوالة كالقبض. يريد بها أن الحوالة إذا قبضت لم تُستَرَد من يد قابضها، بلا خلاف عندهم. وإذا كانت نفس الحوالة كالقبض لم تبطل وإن بطل البيع.

ودفع بعضهم هذا الاحتجاج بأن قال: لم يرد الشافعي بأنها كالقبض في حق المحيل حتى يكون في مسألتنا كقابض الحوالة، وإنما أراد أنها كالقبض في


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: وقع.

<<  <  ج: ص:  >  >>