للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى القاضي لم يحكم له على المحيل بشيء؛ لأنه قد اعترف المحيل ببراءة ذمته بالحوالة، وألاّ مطالبة له عليه، وأن الذي يستحقه إنما هو في ذمة المحال عليه، فليس له أن يطالب ذمةً بدين، هو معترف ببراءة هذه الذمة من دينه، كما لو اعترف بأنه قبض دينه فإنه لا مطالبة له به، ولا يصح للقاضي أن يحكم له بما يعترف أن الحكم به باطل.

ومن الناس من ذهب إلى أنه يحكم له القاضي؛ لأن الذي نفذ له حكم القاضي، من تصديق المحيل في أنه إنما وكل وكالة على القبض، لا يقتضي سقوط دعوى المحال.

وهذا القول إنما يتصور عندي لو كان المحيل معترفُ ابدين المحال، ولكن المنازعة إنما وقعت في المقبوض هل قبض على أنه دين المحال، كما زعم قابضه، أو على أنه قبض وكالة (١) المحيل، فيصير المحيل كالمعترف بدين المحال، (يقول له: لا أستحقه قِبَلك، بل بَرِئت منه بالحوالة. فإن من أقر بحق لرجل، وقال المقَرّ له: لا أقبضه، إني لا أستحقه إلا بحكم القاضي على المقر له، ويجبر المقَرّ له على قبضه. فكذلك ها هنا) (٢).

لكن عندي أن وجه القول الثاني، الذي أنكره بعض الأئمة الحذاق في مسألة الحوالة هل هي حوالة أو وكالة يلتفت فيها إلى النظر فيمن كان له حق على رجل فجحده إياه، ثم عثر المجحود له الحقُّ على مال الجاحد، وصار في يديه، هل له أن يأخذه قضاء عن حقه المجحود أم لا؟ في المسألة خلاف على الجملة قدمناه في كتاب البيوع. وهذا المحال يقول: إني، ولو اعترفت ببراءة ذمة المحيل من ذمتي، فقد ظلمني في أخذ الدين الذي أبرأته من سببه، فإذا أقر لي بشيء أخذته عوضًا عَمَّا ظلمني فيه، وإن كنت أقول إني لا أستحق عينه ولكني أستحقه عوضًا عن ما غصبني إياه وجحدني فيه، فهذا مما ينظر فيه.


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: وكالة [عن] المحيل.
(٢) هكذا في النسختين.

<<  <  ج: ص:  >  >>