للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومما يلحق بما قلناه، في دلالة الحوالة على أنها على دين، ما وقع لابن القاسم فيمن قال لرجل: خذ الدينَ الذي لك على من الدين الذي لي على فلان، ففُلِّس فلان، فإن المحال يرجع على المحيل، ويقول له: إنما طلبته نيابة عنك لا على أنها حوالة أبرأتك بها من ديني؛ لأن قوله: خذ، أمر يحتمل أن يراد به الوكالة فلا يقع الإبراء بلفظ محتمل. فلو قال له: أحلتك بدينك على ديني على فلان، لوقع الإبراء، لدلالة هذه اللفظة عليه.

ومثل هذا ما وقع في المدونة في كتاب المكاتَب، في مكاتَب بين شريكين حل عليه نجْم فقال أحد الشريكين لشريكه بَدِّئْني بهذا النجم وخذ أنت النجم الآخر. فإن ذلك كسلف من المتطوع بتبْدِئَة شريكه لا يبرأ منه إذا تعذر أخذ ذلك من المكاتب في النجم الثاني. وما ذلك، عند بعض أشياخي، إلا لأجل أن قوله "بدّئني" ليس فيه لفظ الحوالة التي تبرأ الذمة بها. ولو كان هذا وقع من أحد الشريكين بلفظ الحوالة لبرئ المحيل.

وهذا، أيضًا، عندي مما ينظر فيه؛ لأن ما على المكاتب ليس بدين ثابت مستقر، ألا ترى أنه إذا عجز عنه رجع رقيقًا، فكان الحوالة ليست على أصل الدين. وهذا أيضًا مما ينظر فيه.

فإذا تقرر حقيقة الحوالة وأن مقتضاها أن تكون حوالة بدين على دين، فإن لم تكن كذلك، وإنما وقعت حوالة بدين على غير دين، مثل أن يقول رجل لرجل له على آخر دين: تحول (١) عليه به، وإنما أقوم بِهِ لك. واتفق من عليه الدين ومن له الدين والمحال عليه على هذا، فإن هذا جائز لا وجه يمنعه. وشذّ بعض أصحاب الشافعي فقال ببطلان ذلك، وأن الحوالة على غير دين لا تصح، تمسكًا منه بحقيقة هذه اللفظة في اللغة، وأنها إذا وُضعت غيرَ موضعها، وعَبَّر عنها (٢) عن معنى آخر لا تقتضيه التسمية في اللغة، لم يصح ذلك، لكون


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: أتَحَوَّلُ.
(٢) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>