للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كالحمالة، بطلب الغريم مع حضور المحال عليه، أو لا يمكن من طلبه؛ لأنها كحمالة شُرِط فيها التبرئة (١) بالمحيل فيوفّى بالشرط. وقد كنا نحن قدمنا في كتاب الحمالة الاختلاف في المذهب في شرط التبْدِئة بالحميل، هل يوفى بهذا الشرط أم لا؟ واعلم أنه يقع هذا لأداء الدين عن الغريم على وجهين:

أحدهما: أن يكون الملتزم لقضاء هذا الدين قصد بذلك الهبة، وإسقاطَ الطلب عمَّن هو عليه، لا ليرجع به عليه، ولكن على جهة الضَلة والصدقة، أو يكون قصد بذلك أن يكون سلفًا لمن هو عليه، يقوم عنه بالدين الذي عليه إلى حينٍ أو إلى أن يقدر على قضائه.

وقد اختلف المتأخرون في ضبط هذه الرواية التي قدمناها، فأشار بعضهم إلى أن ما ذكر فيه أَلَاّ رجوعَ على المحيل، مَحْمَله على أنه التزم القيام بالدين على جهة الهبة، لا ليرجع به على من هو عليه. وعلى هذا يُحمل ما وقع لابن القاسم، وما ذكرناه عن ابن وهب، مما ظاهره مخالف لما قاله ابن القاسم، فقد صرح يكون ذلك الإلزام سلفًا. وهذا التأويل للروايات له وجه نبه عليه ابن المواز وأشار إلى اختلاف حكم الوجهين: هل هذا الالتزام سلف أو هبة؛ فإنه إذا كان سلفًا رجع مؤدي هذا الدين على من كان الدين عليه، فيقول المحال للمحال عليه: أَليس لو أخَذتُه منك لكان لك به مرجِع على غريمي، فأنا أرجع على غريمي الأصلي، وأنت غريمي الفرعي، وطلبي عليك؛ فإذا فلست، وقد توجه حقي عليك، فلي أن أرجع به على غريمك الذي كان هو غريمي الأصلَ، وأَحلّ في طلبه محلَّك، وأنا، وإن كنت أيرأته بالحوالة، فإني أطلبه من وجه آخر، وهو كونه غريمي، وغريمي الأصليّ صار غريمًا لك، حتى إذا كان التزامه للأداء على جهة الهبة ارتفعت هذه العلة، ولم يكن غريمًا لغريمي، وقد كنت أبرأته بالحوالة فلا رجوع لي عليه.

ومن المتأخرين من حمل إطلاق ابن القاسم بأن لا رجوع على المحيل،


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: التّبْدِئة.

<<  <  ج: ص:  >  >>