والسنة وطرق الاجتهاد وترتيب الأدلة. وكيفية النظر فيها، وتخريج الفروع على الأصول.
وينقل عنه السيوطي ما افتتح به كتابة المقدمات في الأصول. قال القاضي عبد الوهاب أحد أئمة المالكية في أول كتابه "المقدمات في أصول الفقه": "الحمد لله الذي شرع وكلف، وبين ووقف، وفرض وألزم، وأوجب وحتم، وحلل وحرم، وندب وأرشد، ووعد وأوعد ونهى وأمر، وأباح وحظر، وأعذر وأنذر، ونصب لنا الأدلة والأعلام على ما شرع لنا من أحكام، وفصل الحلال من الحرام، والقُرب من الآثام، وحض على النظر فيها والتفكر والاعتبار والتدبر. فقال جل ثناؤه: فاعتبروا يا أولي الأبصار. وقال: أفلا يتدبرون القرآن. وقال: وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون. وقال: كتاب أنزلناه إليك مباركًا ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب. وقال: ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم. وقال: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.
والتفقه من التفهم والتبين، ولا يكون ذلك إلا بالنظر في الأدلة واستيفاء الحجة دون التقليد فإنه لا يثمر علمًا ولا يفضي إلى معرفة. وقد جاء النص بذم من أخلد إلى تقليد الآباء والرؤساء، وأتباع السادة والكبراء، تاركًا بذلك ما ألزمه من النظر والاستدلال، وفرض عليه من الاعتبار والاجتهاد. فقال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}. وقال:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}. في نظائر من الآيات، تنبيه بها على خطر التقليد بأن فيه نزع إتباع الأدلة والعدول عن الانقياد إلى قول من لا يعلم أنه فيما تقلد فيه مصيب أو مخطئ. فلا يأمن من التقليد لغيره كون ما يقلده فيه خطأ وجهلًا لأن صحة المذهب لا يتبين من فساده باعتقاد المعتقد له وشدة تمسكه به، وإنما يتميز صحيح المذاهب من فاسدها، وحقها من باطلها بالأدلة الكاشفة عن أحوالها والمميزة بين أحكامها، وذلك مَعدوم في المقلد لأنه متبع لقول لا يعرف صحته من فساده. وإنما اعتقده لقول مقلده به. فإن زعم صاحب التقليد أنه يعرف أن