صحة القول الذي قلد فيه، ويعلم أنه حق، وأن اعتقاده واجب فذلك باطل منه. لأن العلم بذلك لا يكون إلا بالنظر في الأدلة التي هي طريق العلم، وإذا عدل عنها علمنا بطلان دعواه العلم بصحة ما قلد فيه. فإن قال: علمت صحة القول الذي قلدت فيه بدليل وحجة، قلنا: فأنت غير مقلد لأنك عارف بصحة القول الذي تعتقده.
والتقليد هو اتباع القول لأن قائلًا قال به من غير علم بصحته من فساده. ثم قال: فإن قيل: فإذا كنتم تمنعون التقليد وتدعون إلى النظر فيجب أن تبينوا صحته. وتثبتوه طريقًا للعلم بالمنظور فيه.
والجواب: إن القرآن قد حض على النظر والاعتبار في الآيات السابقة.
ولا يجوز أن يحض على النظر فيما لا يثمر علمًا، ومن اعتقاد ما يؤدي إليه.
وإن لم يكن حقًا مع قوله تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}.وقوله:{وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}. وقوله:{وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}. ومع ما ورد به القرآن من الاستدلال على مدلولات والتنبيه على تصحيح وإفساد مقالات، وذلك في القرآن كثير، يطول استيفاؤه، ومن الظاهر في ذلك المشهور ما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من الاحتجاج والاستدل الذي مسائل الأحكام، ومناظرة بعضهم لبعض وذلك أشهر وأظهر من تكلف الإطالة بتقصيه.
فبان بما أوردناه صحة النظر والاستدلال وثبوته طريقًا للعلم بالمنظور فيه.
فإن قيل أخبرونا عن مريد التفقه ما الذي يلزمه؟
قلنا: لا يسوغ لمن فيه فضل للنظر والاجتهاد، وقوة على الاستدلال والاعتبار أن يعتقد التفقه إلا من طريق الاستدلال الصحيح العاري من آفات النظر المانعة له من استعماله على واجبه وترتيبه في حقه. فإن قيل فهذا خلاف ما أنتم عليه من دعائكم إلى درس مذهب مالك بن أنس، واعتقاده والتدين بصحته وفساد ما خالفه.
قلنا: هذا ظن منك بعيد، وإغفال شديد؛ لأنا لا ندعو من ندعوه إلى ذلك إلا إلى أمر قد عرفنا صحته، وعلم صوابه بالطريق التي قد بيناها فلم نخالف