وهذه النصوص من كلام القاضي عبد الوهاب تبرز ما أحس به في نفسه أنه سما عن التقليد، وأنه أخذ الأحكام من الأصول التي أخذ منها السابقون، وأنه رتب المدارك الترتيب الذي اطمأن إلى صحته، وأن التزامه لمذهب مالك لم يكنءتقليدًا حمل عليه الإتباع. وإنما كان توافقًا نتيجة الاستبصار والاختيار.
وبهذا فإنه يعد فقيهًا مجتهدًا في مذهب مالك. رضي أصوله في النظر. ورتب المدارك حسب منهج مالك ثم فرع على ذلك.
وقد صرح القاضي بأنه يعتبر نفسه مجتهدًا كما نقله عنه السيوطي: وادعى القاضي عبد الوهاب أحد أئمة المالكية الاجتهاد في كتابه "المقدمات"(١).
ونحن إذا تتبعنا شروط الاجتهاد من علم بالكتاب والسنة وجدنا القاضي في تقريره لأحكام القضايا مستندًا إلى هذين الأصلين. وهما يجريان مع أنفاسه العلمية ويسعفانه في النظر. وهو أصولي رتب المدارك ونقدها وبين طرق الاستدلال. ولعل أهم ما أعانه على الورود من منابع الشريعة مباشرة زيادة على سلامة فطرته وجودة قريحته، وصحبته لكتاب الله وأخذه عن شيوخ السنة المطهرة، هو حذقه للعربية وحسن إدراكه لإسرارها وتصرفه فيها تصرف المقدمين من الأدباء.
آثاره الأدبية
أقرر أمرين:
أولهما: أن القاضي عبد الوهاب كان شاعرًا مجيدًا. وكان مترسلًا قديرًا. ولكن شهرته الفقهية طغت على هذا الجانب الأدبي فلم يلق العناية التي تليق به. ثانيهما: أن كل من تكلم على تميزه الأدبي هو عالة على ابن بسام في الذخيرة.