للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذكر بعض الأشياخ الحذاق أن في الاستثناء من غير الجنس قولين.

واختار القول باطراحه، وصرف إلى كونه ندمًا من المقر.

وهذا المذهب الذي حكيناه من اطراح الاستثناء من غير الجنس قولًا على الإطلاق وجهه أن حقيقة الاستثناء بيان المراد بالخطاب وإخراج بعض ما يشتمل عليه الخطاب أو يصلح أن يشتمل عليه فإذا قال: له عندي مائة درهم، اشتمل ذلك على المائة كلها، فقوله: إلا درهما إخراج لبعض ما اشتمل عليه اللفظ الأول وبيان المراد به. فالقائل: له عندي مائة درهم إلا حمارًا أو إلا عبدًا لا يفيد هذا الاستثناء إخراج ما اشتمل عليه اللفظ الأول ولا بيان المراد به، فصار من الكلام اللغو المطرح الذي لا يفيد، فلهذا لم يعتد به، لأن الاعتداد به يبطل حقيقة ما ذكرنا من حقيقة الاستثناء وفائدته.

وأمّا الذاهبون إلى الاعتداد به فإنهم يقولون: المرجع في حكم العبارات ومقتضاها إلى اللغات، ولغة العرب يقع فيها كثير الاستثناء من غير الجنس فإبطاله إبطال لفظ جرى على ألسنة العرب وجاء به القرآن.

فأما القرآن، وهو أصدق شاهد على إثبات اللغة، فقوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} (١) والظن ضد العلم وليس من جنسه.

وقوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (٢) والتجارة حلال وأكل المال بالباطل حرام. فقد استثنى الشيء من غير جنسه لكون التجارة مباحة، وليست من أكل المال بالباطل.

وقوله تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى *إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} (٣) وابتغاء وجه الله بالصدقة والصلاة ليست من النعم التي يجزي بها الإنسان صاحبه.


(١) النساء ١٥٧.
(٢) النساء:٢٩.
(٣) الليل: ١٩، ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>