للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبالجملة فإن اعتمادهم ينحصر إلى أن الحمالة بالوجه لا فائدة فيها. وكل ذلك منهم بناء على أصلهم؛ لأن المشهور من مذاهب الشافعية أن المتحمَّل بوجهه إذا مات أو غاب حيث لا يعرف مكانه فإن الحميل بوجهه لا غرامة عليه، ولا يقضى عليه بالحق الذي كان في ذمة المتحمل بوجهه.

وانفرد أبو العباس بن سُريج من أصحاب الشافعي فقال: تلزم حميلَ الوجه غرامةُ المال إذا (١) المتحمل بوجههْ أو مات. ومذهبنا نحن أنه إذا غاب توجه الطلب على حميل الوجه بالمال، على ما نفصله فيما بعد.

وانفرد أيضًا من أصحابنا محمَّد بن عبد الحكم يرى ما رأته الشافعية من أن الحميل بالوجه لا يُطلب بالمال إذا غاب المتحمَّل بوجهه. وهذا لأن غيبة المتحمل بوجهه، حيث لا يعرف مكانه، لا يدخل تحت قدرة الحميلَ إحضاره ولا يتمكن هذا منه، والحمالة إنما تكون بما يمكن، والمال ليس هو المتحمَّلَ به ولا دَخَل تحت قوله: أنا حميل بوجهه، لا تصريحا ولا توليجا (٢) فلا يلزم الضامنَ خلافُ ما اقتضاه لفظه.

وكأن محمَّد بن عبد الحكم (٣) روى ها هنا مع ما رواه ابن الجهم عن مالك كطرفي نقيض، لأن ابن الجهم روى عن مالك أن الحميل بالوجه إذا أحضر من تحمل بوجهه، وهو فقير، فإنه لا يبرأ من غرامة المال، وإنما يبرأ بإحضار الغريم، إذا أحضره موسرًا، حتى يمكّن المتحمَّل له من أخذ حقه منه، والفقير لا يتمكن من أخذ الحق منه فإحضاوه فقيرًا كغيبته.

والذي ذكرناه من الاختلاف في صحة الحمالة، ومن إلاختلاف في إغرام الحميل بالوجه المال إذا غاب المتحمَّل بوجهه إنما ذلك إذا اطلق لفظ الحمالة بالوجه ولم يقيد ذلك بما يُبْرِئُه من المال، مثل قوله: أنا حميل بوجه غريمك،


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: إذا [غاب]
(٢) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: تَلويحًا
(٣) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: [ما] رَوى

<<  <  ج: ص:  >  >>