للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنما تسقط الكفالة إذا سلمه تسليمًا لا يمكن الامتناع منه كما لا يمكنه الامتناع وقت الحمالة.

وأشار بعض الأشياخ إلى أن هذا كالاختلاف (١) لما قاله ابيت المواز، وعلى هذا لو سلم الكفيل الغريم وهو محبوس في حبس القاضي، فإن هذا التسليم يسقط الكفالة، لكون المتكفَّل به يتمكن من طلبه وهو في الحبس، ويحاكمه عند القاضي الذي حبسه حتى يمكنه من حقّه، ويقضي بذلك على المحبوس. وإن وجب حبسه زاد في مقدار أمد الحبس لأجراء هذا الطلب الثاني بحسب ما يقتضيه الاجتهاد. لكن لو كان الحبس بغير حق ولا سبب فيه للغريم، بل حبسه سلطان تعدّيا عليه، ومُنع منه. فإن هذا يجري مجرى موته، وموته مسقط للكفالة، فكذلك إذا كان هذا الامتناع ليس من الغريم ولا سبب له فيه.

وقد ينظر إلى هذه الطريقة التي اختارها بعض الأشياخ ما قاله ابن المواز من التسليم بموضع لا بينة فيه على الغريم، فتسقط الكفالة لكون عدم التمكن من أخذ الحق لا سبب فيه للغريم، وإنما يبقى النظر في إشارة محمَّد بن عبد الحكم في الكلام الذي ذكرناه عنه: إنما تسقط الكفالة بتسليم لا يمكنه الامتناع إلا كما يمكنه وقت الحمالة. فهذا مما ينظر فيه. وقد يفارق الموت حبسَه تعديا؛ لأن الموت غادٍ ورائح ولا يُرجَى صاحب التمكن من الطلب في المستقبل، ولا هو المقصود بكفالة الوجه، والمحبوس ظلما يمكن تتاول الحق منه والإعذار إليه فيه، والمقصود بحمالة الوجه أن يكون سببا إلى تحصيل ما في الذمة، فهذا مما ينظر فيه.

ولو كانت الكفالة مؤجلة فأتى الكفيل بالغريم قبل الأجل لم تسقط الكفالة عنه، لكون من له الدين لم يستحق الطلب فلا يفيده احضار الغريم، وهو لا يستحق طلبه.


(١) هكذا في النسختين، ولعل الأولى: كالخلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>