للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منه، فإن له أخذ الدين من الحميل.

وسبب الخلاف في تمكين من له الدين بطلب الحميل مع تمكنه من أخذه من الغريم قوله عليه السلام "والزعيم غارم" (١) يعم سائر الأحوال: حالة كون الغريم حاضرًا موسرًا يتُمكن طلبُه بالدين، وبين كونه ممتنعا من أدائه. وهذا كالعموم في المعنى، وفيه اختلاف بين الأصوليين. فاقتضى هذا العموم تمكين من له الدين من طلب الحميل على أيّ حال كان الغريم. وكأن من ذهب إلى رفع التخيير بين طلب الحميل والغريم إذا أمكن أخذ الدين من كل واحد منهما رأى أن قوله في هذا الحديث "والزعيم غارم" فيه إشارة إلى أنه إنما يغرم ما قد صار في حيز التلف لكون الغريم فقيرًا أو ممتنعا فيصير الحميل غارمًا لما هو في حكم التالف. وكأن هؤلاء رأوا أن لفظة الغرامة تشعر يكون ما يؤدى عوضا عن ما هو في حكم الفائت التالف، وإنما يقال غرم زيد قيمة ثوب استهلكه، ولا يقال إذا اشتراه وأدى ثمنه غرم زيد ثمنه هذا المألوف في الاستعمال.

وهذا يقتضي ألا يتوجه على الحميل. مطالبة إلا عند فوت أخذ الحق من الغريم. ويرجح أصحاب هذه الطريقة مذهبهم بأن القصد بأخذ الحميل، التوثق في الدين، وكون الطالب للحميل إذا اشترطه في أصك المعاملة فإنما يفعل ذلك توثقا من مشتري سلعته، حذَرًا أن يفتقر أو يتغيب، فصارت الحمالة في معنى الرهبان، بل (٢) القصد من الرهبان التوثق من الغريم مخافة أن يفتقر أو يتغيب فيكون الرهن يقضى منه الدين. وقد اتفق على أنه لا يمكن الطالب من أخذ حقه من الرهن إلا عند تعذر استيفاء الدين من الراهن، فكذلك لا يمكن من له الدين من طلب الحميل إلا بعد تعذر استيفاء الدين من الغريم.

ومقتضى التحقيق عندي في هذا أن الحمالة التزام لم يلزم في أصل الشرع فلا يتجاوز فيه حدّ ما التزمه الملتزم وتطوع به. فلو صرح حين الالتزام بأن قال:


(١) تقدم تخريجه
(٢) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: إذْ

<<  <  ج: ص:  >  >>