للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنما أتحمل عن فلان بما عليه من دين بشرط أن يطرأ عليه فقر، أو يحدث منه تغيب فإنه لا يختلف في أن من له الدين لا يمكن من طلب الحميل إلا عند حصول الشرط الذي علق الالتزام به. فإن اتفق هذا أوجب أن ينظر إلى قوله: أنا حميل عن زيد بما عليه من الدين: هل هو نص في الالتزام على أي حال كان الغريم فيقضى بمقتضى لفظه ويمكن المتحمل له من مطالبته مع إمكان أخذ دينه من غريمه أو يكون هذا اللفظ محتملا لكونه إنما أراد الالتزام بشرط أن يتعذر القضاء من الغريم حتى تكون الحمالة كالرهان فيقبل قوله إن ذلك مراده، وقصارى ما فيه أن يحلف على أن ذلك مراده، ولا تعمر ذمته بالشك والاحتمال.

ولو جرت عادة قوم في الحمالة أنها إنما تتوجه عند تعذر أخذ الحق من الغريم حتى صارت العادة كالقرينة الدالة على مراد المتكلم، لكان ذلك كما لو قيّد الحمالة نطقا بشرط فقر الغريم أو تغيبه. هذا حكم الكفالة المطلقة المقيدة بشرط تعذر الاستيفاء من الغريم.

وأما المقيدة بالتمكن من طلب الحميل مع إمكان استيفاء الحق عن الغريم، مثل أن يشترط من له الدين أن يبدّأ به بالطلب، وإن كان غويمه حاضرًا يمكن الاستيفاء منه، فإنه اختلف قول مالك رضي الله عنه في هذا الشرط والتقييد: هل يؤثر ويقضَي به أو يكون مصرَّحًا لا تأثير له؟ فرآه مرة مؤثرًا يوجب القضاء به، ويمكّن من له الدين من طلب الحميل، وإن أمكن أخذ الحق من الغريم. ورآه مرة غير مؤثر، وقال: لا يمكّن من ذلك، واعتل لهذا القول بأن قال: أيُتبع ربع الحميل وعقاره والغريم حاضر موسر وهذا من الاضرار؟! وإنما يتصور الخلاف في هذا الشرط على القول بأن من له الدين لا يمكّن من طلب الحميل مع حضور الغريم وإمكان أخذ الحق منه، وأما إذا قلنا: إن الحمالة المطلقة يتوجه معها طلب الحميل، وإن كان الغريم يمكن الاستيفاء منه، فأحرى أن يقال بهذا مع التصريح في أصل الحمالة بأن من له الدين أن يبدأ

<<  <  ج: ص:  >  >>