للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأن العوض مردود، ومطالبة الحميل وسقوطها فيه التفصيل الذي ذكرنا، فيبقى النظر في صحة البيع وفساده. وقد كنا قدمنا أن بعض الأشياخ أجرى حكم صحة البيع وفساده على بياعات الشروط فيمن تكفل بخلاص السلعة. ولكن ذلك أمر يعود إلى نفس المبيع ويتعلق بالمتعاقدين بكونهما دخلا جميعًا عليه، والحمالة يجعل ها هنا كأنه أمر خارج عن الثمن والمثمون وعن ما يشرك المتعاقدين جميعًا فيه، لا سيما إذا كان أحدهما غير عالم بما صنع الآخر من بذل العوض في الحمالة، فهذا مما ينظر فيه. ولو تحمل الحميل بعوض شرْطَ أن يأخذه غيره،

ولا يأخذه هو، لكان ذلك أيضًا ممنوعًا، لما ذكرناه من التعليل. لكن لو كان الغير الذي شرط ذلك له هو من تحمل عنه، لكان في ذلك قولان، مثل أن يحل دين على رجل فيقول له من له الدين: أنا أضع عنك -عددًا سماه- وتعطيني به حميلًا إلى أجل آخر، فإن هذا فيه ثلاثة أقوال: الجواز، والكراهة، والتحريم.

ففي الموازية عن مالك وابن القاسم جواز ذلك. وذكر عن أشهب أنه روى عن مالك الجواز، وروى عنه الكراهة. وفي العتبية لمالك أن ذلك لا يصلح، وشبّهه بحميل آخر (١) عوضًا عما تحمل به، فقال: لا يصلح ذلك، وهو كما لو قال له: اعطني عشرة دنانير من دينك وأنا أعطيك حميلًا. وهذا التشبيه يشير إلى التحريم.

وفي العتبية عن ابن القاسم: لو قال له: اعط غريمك عشرة دنانير، وأنا أتحمل لك بما عليه: إن ذلك جائز وعلى القول الآخر يحرم ذلك.

وكأنه في هذا القول قذر أن الحميل تحمل بعوض أخذه لنفسه ثم وهبه الغريمَ. وفي القول الآخر: أَن منفعة ذلك للغريم لا يتصور فيه ما صورناه في الحميل إذا أخذ عوضًا لنفسه، فيكون ذلك سلفًا بزيادة أو أكل المال بالباطل.

ولو كان الدين مؤجلًا ولم يحل أجله، فقال من له الدين للغريم: أعطني


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: أخذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>