للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمَّتي بمثل ما أفتيتُ به لما غلب الأعراب على القيروان ونهبوا ما فيها، فأنفذ الحكم بسقوط الضمان. ثم بعد ذلك وصل كتاب المنتقى لأبي الوليد الباجي ذكر فيه انه كان بطرطوشة لما احترقت. أسواقها فأفتى بتصديق من عنده رهن انه احترق في جملة ماله الذي الشأن خزنه في الأسواق، وذكر أنه يغلب على ظنه أن بعض أهل العلم وقفه على رواية عن أبي أمِن بمثل ذلك. ولهذا ذكرنا أن مذهبنا تصديق المرتهن فيما لا يغاب عليه، فإن ذلك مقتضى ما علّلنا به، فيما تقدم، من كون العبد والدابة لا يمكن في غالب العادة إخفاؤهما وسترهما، فيغلب على الظن صدق المرتهن في دعوى الضياع. وهذا أيضًا يقتضي متى ادعى من التلف ما يغلب على الظن أنه كذب فيه، فإنه لا يصدّق فيه، مثل أن يدعي موت الدابة وهو بموضع عمارة وجماعة فيُسألون عن ذلك، فإن صدقوه تأكد غلبة الظن بصدقه عدولًا كانوا أو غير عدول، وإن كذبوه وكانوا عدولًا غلَّب الظن كذبه فلم يصدّق وإن كانوا غير عدول لم ينقل الحكم عن تصديقه إلى تكذيبه قوم له ليسوا بعدول لتطرق التهم إليهم بأنهم كتموا ما علموا من موت الدابة لما طلبت منهم الشهادة، ويكتفي في خبر الحضور وتصديقهم بانهم رأوا دابة ميتة وإن لم يعلموا أنها الدابة التي كانت بيد المرتهن رهنًا. هكذا وقع في المجموعة. وهذا صحيح إذا كانت هذه الشهادة على صفة تغلب على الظن أن الدابة ليست هي عين الدابة التي بيد المرتهن، أو يكون الأمر مشكلًا فيستصحب الحكم في أن ما لا يغاب عليه لا يضمن.

وإذا حكم بضمان الرهن لأجل كونه حبسه الذي هو في يديه لمنفعة نفسه، وهو أن يستوفي حقه ودينه منه، فلو سقط الدين بأن يُقضى، أو يسبَّق الرهنُ قبل أن يدفع الدينَ فإن الضمان لا يسقط، لكون الدين قد سقط بأن أداه من هو عليه، أو لم يستقر بالقبض إلا بعد قبض الرهن والعلة في هذا أن من أخذ رهنًا مضمونًا فأتاه الراهن بالدين وقبضه، ثم زعم بعد ذلك أن الرهن قد ضاع ولم يجده، فإنه لا يقبل قوله لأن الأصل أخذه على الضمان. فيستصحب

<<  <  ج: ص:  >  >>