للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم يأتي الراهن بعد ذلك فيقول لمن بيده الرهن: أسلفْني مائة أخرى والذي بيدك من الرهن يكون رهنًا بالمائتين جميعًا، الأولى والثانية. فإن هذا مما اختلف الناس فيه:

فذهب مالك رضي الله عنه إلى جواز ذلك وانعقاد الرهن بالمائتين جميعًا،

وكون الرهن لا يؤخذ حتى يُوفِيَ الراهن بجميع المائتين الأولى والثانية.

وذهب أبو حنيفة إلى المنع من كون ذلك رهنًا بالمائة الثانية.

واختلف قول الشافعي في هذا، فقال في القديم مثلَ قولنا بصحة ذلك، وقال في الحديث مثل قول أبي حنيفة بإبطال كون الرهن رهنًا بالمائة الثانية.

وكذلك اختلف اختيار صاحبي أبي حنيفة فوافقه على مذهبه الذي حكيناه عنه محمَّد بن الحسن. وأما أبو يوسف فخالفه، فقال مثلَ قولنا.

وسبب الخلاف الالتفات إلى نكتة وهي النظر في كون الرهن محلًا لما يستدان عليه، فهل يكون الدين (١) يؤخذ عليه يَستحوذ على جميع الرهن ويَستغرقه حتى يستحيل أن يكون الرهن محلًا لدينٍ غيره، أو (٢) يستحيل أن يكون محلًا لأحد الحالين؟ ألا ترى أن الرهن إذا دُفع في مائة دينار، فإن الرهن تابع لها والمائة مستحوذة على جميع أجزائه، فجميع أجزاء الرهن على الجملة، وكل جزء منه على التفصيل، قد استحقّتْه المائةُ الدينُ واستحوذت عليه، ولا يصح أن يكون الرهن كأنه في قبض المائة الأولى، وهو في قبْضة غيرها في زمن واحد. ومما يؤكّد ذلك أنه لو قضى من عليه الدين المائةَ كلَّها سِوى دانقٍ واحد منها لم يُمكَّن من الرهن حتى يقبض ذلك الدانق، لكون جميع أجزاء الرهن مقابلًا لكل جزء من الدين فَلّ أو جَلّ. فإذا كان الأمر كذلك استُبعد أن يكون الرهن الواحد الذي أخذ بمائة دينار بالأمس، يكون رهنًا بمائة أخرى تؤخذ


(١) هكذا ولعل الصواب: الذي.
(٢) هكذا ولعل الصواب: أوْ [لا] يستحيل ...

<<  <  ج: ص:  >  >>