للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اليومَ. فهذا نظر أبي حنيفة، والنكتة التي يَلتفِت إليها.

وأما مالك، والشافعي في أحد قوليه، فإنهما لم يسلّما له هذه القاعدة، ورأيا أنه لا يمتنع ترادُف دينين على رهن واحد، وليس ذلك لكون المحل الواحد محلًا لحالَّيْنِ معًا، ولا يتنافى في حكم العقل أن يكون هذا الرهن محبوسًا بالمائة الأولى وبالمائة الثانية. فإذا وجب بيعه وكانت في ثمنه فضلةٌ أخذها المرتهن من دينه الباقي عن الرهن.

وإذا كانت قيمة الرهن مائتين وقد استدان صاحبه عليه مائة واحدة، فإنها وإن كانت هذه المائة تستولي على جميع أجزاء الرهن، فإنما ذلك إذا أنْفَضَّتْ قيمته حتى صارت لا زيادة فيها على هذه المائة الأولى. وأما إذا بقيت قيمته على ما كانت عليه حين الارتهان، وهي مائة دينار، فيقدر كأن المرتهن أسقط حقه في نصف الرهن، ولم يجعله رهنًا بها، وبقي نصف الرهن الآخر لا شغل فيه، ولاحقًا معلقًا به، فلم يمتنع ارتهانه، كما لو كان الارتهان بالمائتين جميعًا في عقد واحد. وهذا يتضح على أصولنا المجيزين لرهن المشاع، وأما هو فقد يقول: لا يصح ارتهان نصف الرهن مشاعًا، كما قدمناه عنه في صدر هذا الكتاب، إنْ خالفنا في هذا الذي صورناهْ في هذه المسألة، نقلْنا الكلام إليه، ونستشهد على صحة مذهبنا بأصول مقررة: منها أن الرهن المقصودُ منه الاستيثاق بالحقّ، فلا يمتنع أن يكون وثيقة بحق يأتي بعد الحق الأوّل، (ألا ترى استيثاق) (١) ثم مع هذا يجوز أن يتحمل لرجل بمائة دينار ويضمنها على رجل أَخر، ثم يضمن عليه مائة أخرى. فلما جاز ترادف حق بعد حق لرجل واحد على حميل واحد جاز أن يترادف دين على دين في رهن واحد لرجل واحد.

وعندي أنه قد يجيب عن هذا بأنّا قد أشرنا إلى أن مذهبه المنع من رهن المشاع، بما صورناه في الرد عليه بأن الرهن بمعيّن ربما يُدعى إلى قسمته


(١) هكذا، وفي الكلام سَقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>