للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبيعه، حتى يؤثر ذلك في الحق، وذمةُ الحميل ليست من هذا القبيل.

وكذلك احتج عليه أصحابنا بأنه يجوز أن يرهن رهنًا بمائة دينار يتسلّفها ثم يزيد الراهنُ المرتهنَ رهنًا آخر بتلك المائة بعينها. فإذا جاز ترادف رهن على رهن بحق واحد جاز ترادف دين على دين بحق واحد.

وهذا قد يجيب عنه بأن الرهن مشغول بالدين، والدين مستحَق عليه، والرهن تابع للدين فلا يكون تابعًا لغيره، إذ لا يصح أن يكون الشيء تابعًا لشيئين في زمن واحد، وأما الدين فمتبوع، والمتبوع يصح أن يكون له توابع كثيرة، والرهن مشغول بالدين الأول فلا يكون مشغولًا بغيره، والدين غير مشغول بالرهن فيصح أن تُشتغَل به شواغل كثيرة.

ومما يستدل به أصحابنا أيضًا أن العبد إذا جنى على رجل جناية، واستحق به رقبته، ثم كرر عليه جناية أخرى، فإنه من حق المَجنيّ عليه المطالبة بجنايتين مع كون العبد قد استحوذت على رقبته الجناية الأولى، ولم يمنع هذا من كونه تُستَحق رقبته جناية (١) أخرى. وكذلك الرهن، وإن استحقه الدين الأول، فلا يمتنع أن يستحقه الدين الثاني.

وهم يجيبون عن هذا بأن الرهن إذًا ثبت حق إنسان تعلق به، فلا يجوز لراهنه أن يرهنه لرجل آخر، وإن كان يجوز أن يجعله رهنًا بدين كان من الرجل بعينه الذي داينه أوَّلًا، والجناية إذا كُرِّرت على واحد تعلقت بعين العبد.

وكذلك لو كانت جناية على رجل ثم جنى على رجل آخر لتعلق حق الآخر بوقبة العبد، فلا يتعلق بالرهن من رجل آخر، فدلّ ذلك على افتراق الأصلين.

ونحن نجيب عن هذا بأنّا لا نمنع أن يكون الرهن الذي بيد الأول رهنًا بدين استدانه الراهن من رجل آخر، إذا رضي الذي بيده الرهن، وإن لم يأذن ففيه اختلاف في المذهب نذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.


(١) هكذا ولعل الصواب: بجناية.

<<  <  ج: ص:  >  >>