للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد احتج بعض الناس لأشهب إذا قضى الدين الذي كان به رهنًا ثم زعم من هو بيده أنه ضاع فإن ذلك لا يُقبَل منه مراعاة لأصل قبضه لأنه إنما قبضه على الضمان فلا يصدّق في دعوى الضياع فيما يغاب عليه أنْ كان يقضي (١) الدين خرج عن كونه رهنًا. وهذا الاستدلال على ابن القاسم فيه نظر, لأنه أخذه على الضمان، ودعوى الضياع بغير بينة لا يقبل منه حتى يَرُد الرهن على صاحبه, لأن على اليد أن ترد ما أخذتْ. وكأنّ أشهب رأى أن هذه الفضلة غيرُ محقق حصولها لهذا الذي دفع الدينَ الثاني، لكون الرهن، وإن كانت قيمته عند الدفع مائة دينار، وأخذه رهنًا بخمسين دفعها، فإنه قد يحُول سوقُه فلا يساوي حين بيعه إلا مقدار دين الأول وهي الخمشون دينارًا، فيصير جميعه محبوسًا للأول وجميع ثمنه له كلَّه. وكأن ابن القاسم قدّر أن هذه الفضلة، لما كانت عند الارتهان الثاني موجودةً، استُصحِب وجودُها, ولم يُلتَفت إلى ما يمكن أوْلًا يمكن من تقصير ثمنها.

ومما يلاحظ ما نحن فيه ما ذكره ابن المواز عن مالك، فيمن رهن رهنًا وأخذ عليه دينًا، وشرط في حين الارتهان أنه مبَدَّأٌ من قيمته مائة دينار، ثم ادّانَ فوجب بيع الرهن، فقال غرماء الراهن نحن أحقّ بهذه المائة التي شرط أن يأخذها لنفسه من ثمن الرهن، فإن ذلك لهم. وظاهر كلام مالك في هذا الإطلاق: أنه مَن بيده الرهن لم يبْقَ بعد هذه المائة دينار ما يأخذ منه جميع دينه، فإن ما بقي من دينه يبقى في ذمة الراهن، ولا يحاصّ الغرماء بالبقية التي بقيت له, لأن هذا الاشتراط لهذه، لمائة يقتضى ألَاّ حق لهذا الذي بيده الرهن في عين الرهن وهو مقدرا ما يقابل المائة، فكذلك لا يكون له حق في هذا الثمن.

وهذا مما ينبغي أن يُنظر فيه، وما قصد من بيده الرهن بهذا الاشتراط هل أسقط حقَّه في هذه المائة أَلا يأخذَ دينه منها على حال، وإنما (٢) أسقط حقه منها


(١) هكذا ولعل الصواب: بقَضاء.
(٢) هكذا ولعل الصواب: أَو.

<<  <  ج: ص:  >  >>