للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طرقها ويحدث أهلها. وهذا الحنين لمراتع صباه ولمجالس أنسه بها، ولمحاضر دراساته العلمية طالبًا وأستاذًا. ولمذاكراته مع أقرانه، ولمطارحاته مع أحبائه وخلانه، ينبىء عن روح مرهفة وعن أحاسيس صادقة، يفصح عن ذلك هذه السلاسة التي نجدها في شعره ببعده عن التكلف والتقعر والإغراب، التي كثيرًا ما يلجأ إليها الشعراء لشغل السامع عن الغلو الذي يغلو به التعبير فينأى عن الحقيقة التي تجري في المشاعر.

ولهذا نجد له فلسفة في الحب: بأن لذته في مكابدة حر الاشتياق، لا في الوصال والعناق، وحظه السعيد أن كان له محبوب يستقر في خاطره ويلهب جوانحه.

يقول:

لست وان كنت معنى به ... مشتكيا منه أذى حبه

بل راضيًا ما كان فيه وإن ... حملت في الحب على صعبه

مر الهوى أطيب من عذبه ... وجدبه أنعم من خصبه

ما صدق الحب امرؤ لم تبت ... نيرانه تضرم في قلبه

يستعذب التعذيب فيه وإن ... آل به ذاك إلى نحبه

لا باغيا منه نوالا ولا ... يشكو الذي يلقاه من كربه

ومن تمثيله البديع هذه الصورة المتخيلة في تشبيه الأحاسيس الباطنية النفسية بالصورة الحسية المادية المنتزعة من متعدد القريبة بصنعة الشاعر، البعيدة المرمى في إدراكها الأول. إذ يقول:

الله يعلم أني يوم بينهم ... ندمت إذ ودعتني غاية الندم

تزاحمت في فؤداي للنوى حرق ... تزاحم الدمع في أجفان منسجم

ثم انثنيت وفي قلبي لفرقتهم ... وقع الأسنة في أعقاب منهزم

ولون آخر من ألوان الشعر هو المزِج بين الفقه والشعر حتى غدا الحكم الفقهي شعرًا يُطِرْب وغدا الشعر حقًا يُستعذب. إذ يقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>