كان دارسًا للمذاهب الفقهية مميزًا بينها في أصولها ومناهج أئمتها.
ثانيًا: ينوه بادبه فيجمع بينه وبين امرئ القيس "الملك الضليل" وهي صورة لا يستطيع أحد أن يناقش فيها أبا العلاء. لأنه حجة في إدراكه لجيد الشعر وأساليبه. ومناهج نبغائه. ويتجلى ذلك في قدرته على جمع كل ما يحيى به في كلمة يختصرها فتمثل الشخصية الشعرية بكل أبعادها. فهو لما كتب على شعر أبي تمام عنونه بذكرى حبيب. ولما تولى شعر أبي الطيب عنونه بقوله معجز أحمد. فمقارنته للقاضي عبد الوهاب بالملك الضليل امرئ القيس في شاعريته إنما كان ذلك لوجوه الشبه التي ترسمت في نفسه من شعره. كما يبدو ذلك في بعض الصور الغريبة، ومواصلة الصورة وسلاسة التعبير وعلو الهمة في قواسم جامعة بين الشاعرين ملك الشعراء. وشاعر الفقهاء.
خروج القاضي إلى مصر
الذي ذهب إليه معظم من كتب عن القاضي عبد الوهاب أنه خرج من بغداد لضيق ذات يده وشح أهل بغداد. وأنه قال لهم يوم خرج لتوديعه الفقهاء والأشراف من أهلها والله لو وجدت في بلدكم كسرتين من ذرة ما خرجت منها.
ولقد ترك أبي جملة من دنانير ودارا أنفقتها كلها على صعاليك ممن كان ينهض بالطلب عندي فنكس كل واحد منهم رأسه ثم أمرهم بالانصراف فانصرفوا.
وأنشد:
لا تطلبن من المجبوب أولادا ... ولا السراب لتسقي منه ورادا
ومن يروم من الأرذال مكرمة ... كمن يؤتد في الأتبان أوتادا (١)
وهذا الخبر تلقفه كثير من الدارسين لتاريخ الحضارة كحجة من حجج إثبات اختلال الموازين في هذا العهد حتى وصل الأمر إلى أن عالمًا فقيهًا أديبًا كالقاضي عبد الوهاب تضيق عليه الأرزاق. ولا يجد لقمة العيش ولا أقل ما
(١) ترتيب المدارك ج ٧ ص ٢٢٣. وفيات الأعيان ج ٣ ص ٢٢٠، الذخيرة ص ٥١٦.