للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ما ذهب إليه بعضهم فإن ذلك يحقق كون الصلاة واجبة وإن لم يثبت العزم بدلا. لأن حصول التأثيم يثبت للشيء حقيقة الواجب. ولا استنكار في إثبات واجب مفسح في وقته، ويحصل الإثم بتركه إلى الموت. فإن لم نقل بالتأثيم فلا وجه لإنكار ما قاله الحنفيون من تعلق الوجوب بآخر الوقت. هذه طريقة أبي المعالي في هذه المسألة. واعلم أنه كما أنكر على القاضي أبي بكر إثبات العزم واستبعد أن يكون في العلماء من يؤثم من ترك العزم، فكذلك يجب عليه أن يستبعد ما حكاه عن بعض أصحابه من تأثيم من مات في وسط الوقت ولم يصل. فإنه لا يظن بأحد من العلماء أيضًا ممن سلف أنه يؤثم من مات بعد الزوال بقليل أو بعد الفجر بقليل لتأخيره الصلاة عن الزوال والفجر. ولعلنا أن نبسط ما عندنا في ذلك فيما نمليه من أصول الفقه إن شاء الله. وأمَّا ما قاله أبو الوليد الباجي من أن البخاري على أصول أصحابنا أن الواجب من الوقت ما توقع فيه الصلاة. وإنما يتعين بفعل المكلف قياسًا على قول أصحابنا في الكفارة عن اليمين بالله سبحانه، فإنه عندي غير مسلم له. ويجب أن تقدم على التعقب عليه، إن أهل الأصول جعلوا هذه المسألة مسألة اختلاف. فحكوا عن المعتزلة أنها ترى أن وجوب الخلال الثلاث التي خير بها (١) الحانث وهو مذهب ابن خويز منداد. وأن الأشعرية وجمهور الفقهاء يرون أن الواجب منها واحد لا بعينه. ولا يتصور عندي بين القوم اختلاف يرجع إلى معنى. وإنما تناقش القوم في عبارة فأطلق بعضهم الوجوب على جميعها لما كان كل واحد منها يحل محل الآخر في إبراء الذمة وحصول الامتثال وتعلق الأمر بها (٢) تعلقًا متساويًا. ورأى الآخرون أن الذمة تبرأ بفعل أحدها (٢) ولا يأثم بترك ما سواه إجماعًا. وما لا إثم فيه لا يوسف بالوجوب، فلهذا أنكر هؤلاء إطلاق القول إن جميعها واجب. فإذا وضح أن القوم مختلفون في عبارة، عدنا إلى ما قاله أبو الوليد، فقلنا لو ترك ما ذكر من الخلاف على ظاهره لم يجب أن تكون مسألة


(١) فيها -ق-.
(٢) بهما - أحدهما -و-ق-.

<<  <  ج: ص:  >  >>