للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واستدعاء الإتيان إلى المواضع المأمور بإتيانها للصلاة، والتعريف بحضور وقت الصلاة. وهذا المعنى الثاني هو المقصود في أكثره. فأما المعنى الأول فإنه واجب تحصيله. وهذا الوجوب فرض على الكفاية. فلو تمالأ أهل العصر على تركه لأثموا أجمعون ولأجبروا على فعله. فإن امتنعوا ولم يقدر على قهرهم عليه إلا بالجهاد جوهدوا عليه حتى يفعلوه. فإذا فعله بعضهم حتى ظهر شعار الإِسلام وعرفت الدار بالإيمان" سقط الفرض عنهم (١) من هذه الجهة وارتفع الإجبار والجهاد. وهذا مذهب القاضي أبي بكر بن الطيب وبعض الأشياخ المتأخرين.

وفي الحديث أنه كان - صلى الله عليه وسلم -: "إن لم يسمع الأذان أغار" (٢). وأما المعنى الثاني وهو المقصود بأكثره، وهو أذان سائر المساجد والجماعات الراتبة، فالذي حكاه أصحابنا البغداديون أن مالكًا والشافعي وأبا حنيفة يرونه سنة، وأن أهل الظاهر يرونه فرضًا. وقد وقع لمالك في الموطإ أنه واجب. وقال الشيخ أبو محمَّد الأذان واجب في المساجد والجماعات الراتبة. واختلف المتأخرون في الاعتذار عن اختلاف هذا النقل عن المذهب، فتأول القاضي أبو محمَّد قول الشيخ أبي محمَّد: إن الأذان واجب. على أن معناه أنه سنة مؤكدة. وتأول بعض المتأخرين من الأشياخ قول من قال إنه سنة على أن معناه أنه ليس بشرط في صحة الصلاة. واستدل من قال بالوجوب بظواهر الأوامر، وبأن العلم بالوقت فرض. ولما لم يمكن خطاب الجميع باعتباره، خوطب به آحاد بأن يعلموا به، ليحصل الغرض المقصود. ويعم الناس العلم بالوقت كما عمهم وجوب الصلاة فيه. ومن أنكر الوجوب لم يسلم حمل الأوامر بمجردها على الوجوب، وأقل مراتب هذه الأوامر الندب فحملها عليه.

والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: اختلف في صلاة الجمعة هل الأذان لها سنة كما هو في غيرها من الصلوات، أو الأذان لها واجب لاختصاصها دون سائر الصلوات بوجوب السعي وتحريم البيع؟ وإذا اختصت بذلك وجب الآذان فيها ليجتنب البيع ويسرع في السعي.


(١) عنهم = ساقطة -و-.
(٢) أخرجه البخاري: فتح الباري ج ٢ ص ٢٣٠. ومسلم إكمال الإكمال ج ٢ ص ١٣٦ وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>