للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شكرًا (١). فلا دليل فيه. لأن سجود التلاوة يكون لنفي الاستكبار أو الائتمار (٢) أو الشكر. وأما قول ابن عباس ليست من العزائم فمعناه ليس مما ورد بلفظ الأمر بالسجود، أو في مواضع التعظيم والمدح وإنما هي توبة نبي. على أنه روي عنه أيضًا أنه قال سجدها داود وأمر صاحبكم أن يقتدي به (٣) يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي بعض الطرق عنه أنه سئل عن قوله تعالى: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}، فقال أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده (٣). وقد سجد عثمان في صلاته وسجد الناس معه ولم ينكر عليه أحد. فلو كانت سجدة شكر كما قاله الشافعي لم يجز إدخالها في الصلاة.

والجواب عن السؤال الشاك: أن يقال: أما مواضع السجود فقد ذكره القاضي أبو محمَّد في كتابه هذا وذكر الاختلاف فيه في موضعين. فأما سجدة "ص" ففيها قولان. كما ذكر فاختار ابن حبيب قوله: {وَحُسْنَ مَآبٍ} (٤).

واختار الشيخ أبو الحسن ابن القابسي {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (٥) وهو الذي ذكره الوقار. فأما اختيار {حُسْنَ مَآبٍ} فلأنه متصل بذكر السجدة ومتضمن للثناء على فعلها وإشارة للحض عليها، فكان إيقاع السجود عنده أولى. وأما اختيار قوله وأناب، فلأنه اللفظ المشتمل على ذكر ما فعله من الركوع والإنابة. فكان حقيقة التشبيه به فيه يقتضي فعله عند ذكر ذلك عنه.

وكذلك الاختلاف في سجدة حم تنزيل فذهب مالك والشافعي إلى أنها عند قوله تعالى: {تَعْبُدُونَ} (٦) وروي عن عمر رضي الله عنه وقال ابن وهب من أصحابنا وأبو حنيفة عند قوله {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} (٧) وإليه ذهب ابن عمر رضي الله عنه. وتوجيه هذا الاختلاف كنحو توجيه ما تقدم في سجدة "ص".

فمن قال: تعبدون فلأنه موضع الأمر فكانت حقيقة الامتثال السجود عند ذكره.


(١) عن ابن عباس رواه النسائي وأحمد والحاكم. وهبة الألمعي مع نصب الراية ج ٢ ص ١٨١.
(٢) الائتمان -و-.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة. انظر الدر المنثور ج ٥ ص ٣٠٤.
(٤) سورة ص، الآية: ٤٠.
(٥) سورة ص، الآية: ٢٤.
(٦) سورة فصلت، الآية: ٣٧.
(٧) سورة فصلت، الآية: ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>