للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أيها الرهط. ولكني أخاف من قوم يأتون بعدكم فيصلون بعد العصر إلى الغروب حتى يمروا بالساعة التي ينهى عنها. وأشار آخرون إلى أنه إنما نهى عن ذلك حقًا لهذين الفرضين ليكون ما بعدهما مشغولًا بما هو تبع لهما من دعاء ونحوه تخصيصًا لهاتين الصلاتين بذلك دون ما سواهمامن الصلوات. ونهي عن الصلاة بعدهما لأنه شغل بفعل مقصود في نفسه وهو الصلاة.

وأما الفرض فإنه يقضى حينئذٍ لأنه لا يمنع فرض مراعاة لتوابع فرض غيره. وكذلك ما له سبب من النوافل ورآه الشافعي كالفرض لا ينبغي أن يمنع لما يتبع غيره. ورأيناه نحن كما لا سبب له من النوافل. ويحتج الشافعي على صحة ما ذهب إليه بما روته أم سلمة أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين بعد العصر فلما سئل عنهما أخبر أنهما عِوَض عما شغله عنه الوفد من ركعتين بعد الظهر (١). وأجيب عن هذا بأنه خصوص له - صلى الله عليه وسلم - لأن أم سلمة قالت: دخل علىّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر فصلى ركعتين فسألته عنهما فقال ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر فشغلني الوفد عنهما. فقالت أنصليهما إذا فاتتنا. قال: لا (٢). وهذا كالنص في اختصاصه بهما. ويحتج أيضًا بقول قيس بن فهو. قال: رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح فقال ما هاتان الركعتان يا قيس؟ فقلت يا رسول الله لم أكُ صليت ركعتي الفجر فهما هاتان الركعتان.

فسكت (٣). وأما داود فاحتج له بقول عائشة رضي الله هـ تعالى عنها قالت: والله ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين بعد العصر قط (٤). وهذا لا دليل فيه لاحتمال أن يكون لم تصفر الشمس. وابن المنذر يجيز التنفل ما لم تصفر الشمس، ويحتمل أن يكون فيما له سبب. هكذا حمل الشافعية هذا الحديث على ما له سبب، وأشاروا إلى أنهما الركعتان اللتان بعد الظهر، اللتان شُغِل عنهما. وهذا ضعيف لأن عائشة أخبرت بتكرر ذلك. واللتان شغل عنهما لم يتكرر الشغل عنهما.


(١) رواه البخاري ومسلم وأحمد: بلوغ الأماني ج ٦ ص و٢٠٩ - ٢١٢.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) رواه الترمذي ج ٢ ص ٢١٤ وأبو داود مختصر المنذري. حديث رقم ١٢٢٣.
(٤) متفق ورواه أحمد والنسائي والبيهقي: بلوغ الأماني ج ٤ ص ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>