للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأجاب أصحابنا بأنه يحتمل أن يكون المراد أن دخوله - صلى الله عليه وسلم -عليها بعد وقت العصر، لا بعد فعل العصر. وأما ابن المنذر فإنه يحتج بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة" (١). وأجيب عن هذا بأن إخبار النهي المطلق أشهر وأكثر رواة. وأما الذين قصروا النهي على طلوع الشمس حتى ترتفع وعلى دنوها للغروب حتى تغيب فيحتجون بقوله عليه السلام: لا يتحز أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها (٢). فقصر النهي على هذين الزمانين يدل على نفيه عما سواهما.

والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: إذا طلع الفجر كره التنفل سوى ركعتي الفجر، وبه قالت الشافعية في ظاهر مذهبهم. قال بعضهم وفيه وجه آخر أنه لا يكره. فوجه النهي قوله عليه الصلاة والسلام: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر (٣). وأيضًا فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يصلي بعد الفجر إلا ركعتي الفجر. وأيضًا فإن صلاة النهجر أول الوقت أفضل. ففي إباحة التنفل في هذا الوقت ذوات فضيلة أول الوقت. ويحتج أيضًا من أجاز بالأحاديث الواردة في النهي وفيها من التقييد ما يدل على جواز التنفل في هذا الوقت كقوله: نهي عن الصلاة بعد صلاتين الصبح وصلاة العصر (٤). فقُيد النهي بفعل الصلاة فدل على أنه قبل فعلها يجوز. وإذا ثبت النهي فعندنا أنه يستحب لمن فاته حزبه بالليل أن يصليه حينئذٍ لأجل الاختلاف في هذا الوقت، ولأنه أمر لا يتكرر. وكالقضاء لنافلة فاتت.

وهكذا التنفل بعد غروب الشمس ينهى عنه لما ذكرناه من أن في إباحته تأخير المغرب. وقد تقرر أن أول الوقت فيها أفضل. وعلى ذلك مضى العمل.

بل قال قائلون: ليس لها إلا وقت واحد. لكن بعض أشياخي أجاز التنفل بعد


(١) أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد: مختصر سنن أبي داود ٢ ص ٨١ حديث ١٢٢٩.
(٢) رواه مسلم: إكمال الأكمال ج ٢ ص ٤٣٩.
(٣) رواه الترمذي ج ٢ ص ٢١١.
(٤) رواه البخاري ومسلم والبيهقي. السنن ج ٢ ص ٤٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>