بعد مغيبه جمع. وقد روي أنه عليه الصلاة والسلام جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر (١). قال مالك أراه في المطر.
وهذا الحديث دليل على جواز الجمع على الجملة على تأويل مالك. وسنتكلم على باقي هذا الحديث بعد هذا إن شاء الله تعالى.
والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: قد قدمنا أن مذهبنا جواز الجمع لأجل المطر فإذا كان جائزًا فسائر المساجد في ذلك سواء. وروى ابن شعبان عن مالك أنه لا يجمع إلا في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا الاختلاف راجع إلى ما تقدم من الموازنة بين الفضيلتين. فكانه رأى في المشهور أن فضيلة الجماعة في سائر المساجد تربي على فضيلة وقت الاختيار. وروى في هذه الرواية الشاذة عنه أنها لا تربي إلا إذا كانت في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - لِعظَم فضل الصلاة فيه على غيره من المساجد، وأصل الجمع إنما وقع في مسجده - صلى الله عليه وسلم -. ويمكن أن يكون إنما فعل ذلك فيه لاختصاصه بالفضل، فلا يقاس غيره عليه. وعلى هذه الطريقة قال مالك رضي الله عنه فيمن أتى المسجد وقد جمع الناس فلا يصلي العشاء وحده قبل الشفق إلا في مسجد الحرمين. لأجل أن فضيلة المسجدين تربي على الفضيلة التي أحل بها. وهذا الذي ذكرناه عن مالك يقتضي جواز الجمع في المسجد الحرام. وقد اختلف أي المسجدين أفضل؟ ولو قيل إن مسجد المدينة أفضل لأمكن أن يستخف الجمع في المسجد الحرام لأجل الخلاف فيه.
والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: أما الصلوات التي لا اشتراك بينهما في الوقت كالعصر والمغرب، والعشاء والصبح، أو الصبح والظهر فلا خفاء في منع الجمع بينهما. وأما التي بينهما الاشتراك كالظهر والعصر، أو المغرب والعشاء فعندنا أن الجمع لعذر المطر مختص بصلاتي الليل المغرب والعشاء دون صلاتي النهار: الظهر والعصر. خلافًا للشافعي في إجازته ذلك بين الظهر والعصر كما يجيزه في المغرب والعشاء. وسبب هذا الاختلاف أن
(١) مالك في الموطإ والبيهقي وأبو داود. وفي بحض روايات أبي داود ولا سفر وفي بعضها ولا مطر. قال الحافظ واعلم أنه لم يقع مجموعًا بالثلاثة في شيء من الحديث بل المشهور من غير خوف ولا سفر. حرز الأماني ج ٥ ص ١٣١.