للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشافعي رأى أن قاعدة جواز الجمع اشتراك الأوقات. والاشتراك ثابت بين الظهر والعصر كثبوته بين المغرب والعشاء، والمطر موجود في حق الجميع فوجب أن لا يفترق الحكم في ذلك. ورأى مالك أن مجرد الاشتراك لا يحيى الجمع دون تحقق العذر. والعذر إنما يتحقق في صلاة الليل دون صلاة النهار، لأن المطر لا يقطع الناس عن التصرف في أمور (١) دنياهم في النهار فإذا كانوا غير منقطعين عن التصرف فتكليفهم التصرف إلى المساجد لا يضر بهم. وهم في الليل لا يتصرفون. فتكليفهم التصرف إلى المساجد مع المطر إضرار بهم.

فلما اختلفت مواقع العذرين، اختلفت مواقع الأحكام. وقد يحتج للشافعي بما قدمناه من حديث ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر (٢). قال مالك أرى ذلك كان في المطر. وقد تأول مالك الحديث على المطر وفي تأويله لذلك تسليم لاحتجاج الشافعي به. ولكنه خالف ما تأول الحديث عليه في الظهر والعصر لما قدمنا ذكره من اعتباره (٣) مواقع الضرورة. وقد قال بعض البغداديين من أصحابنا يمكن أن يكون قول مالك: "أراه في المطر" أي في مطر غالب منع من تقديم الظهر فأخرها إلى آخر وقتها. وقد تؤول الحديث على غير تأويل مالك فقيل إنما فعل ذلك ليري اشتراك الوقت. وقد سئل ابن عباس على المراد بذلك فقال: أراد أن لا يحرج أمته. ويمكن أن يكون فعل ذلك لأجل مرض. ويمكن أن يكون إنما جمع بأن صلاهما في وقتهما المختار فصلى الظهر في آخر وقتها، والعصر في أول وقتها الذي كرهه (٤) مالك في الظهر والعصر. وقد قال بعض أصحابنا البغداديين لعله فعل ذلك لعذر أوجبه من حشد أو غيره. وقيل يمكن أن يكون هذا مختصًا بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأجل ما اختص به من الفضيلة على ما قدمناه. فيجوز فيه الجمع بين صلاتي النهار وصلاتي الليل ولا يجوز في غيره


(١) أمر -و-.
(٢) مسلم. إكمال الإكمال ج ٢ ص ٣٥٦.
(٣) اعتبار - قث.
(٤) في آخر القامة الأولى. والعصر في أول القامة الثانية -و-.

<<  <  ج: ص:  >  >>