من المساجد أصلًا على ما قدمناه من حكايته ابن شعبان عن مالك. وقد اختلفت الرواة عن ابن عباس كما اختلفت التأويلات فروي عنه في غير خوف ولا سفر كما قدمنا، وروي عنه في غير خوف ولا مطر. وهذا يرد تأويل مالك. وروي عنه أنه قال كان ذلك في سفرة سافرها. ويحتمل أن تكون هذه الروايات حكايات عن أوقات متغايرة. وخزج مالك في الموطإ أنه عليه الصلاة والسلام عام تبوك كان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأخر الصلاة يومًا ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا. ثم دخل ثم خرج فصاى المغرب والعشاء جميعًا (١). وهذا الحديث ذكر فيه الجمع بين الظهر والعصر جميعًا. ولكن على وجه تأخير الظهر لا على وجه تقديم العصر. ومالك إنما يكره الجمع بين الظهر والعصر في المطر بأن يقدم العصر عن وقتها المختار كما يفعل في العشاء.
وليس في الحديث ما يقتضي ذلك. وقوله ها هنا في هذا الحديث ثم دخل ثم خرج، ظاهره أنه مقيم لا راحل سائر، لأن الدخول والخروج إنما يستعمل غالبًا في الدخول في المنزل أو الخباء لا في الخروج عن الطريق للصلاة. ثم الدخول إليها للمسير. وإذا كان ظاهره أنه ليس على ظهر الرحيل فلعله فعل ذلك لضرورة مطر. قال أبو الوليد الباجي يتعلق أشهب بظاهر هذا اللفظ. وقال: إن للمقيم رخصة في الجمع بين الصلاتين لغير عذر مطر ولا مرض. وهو قول ابن سيرين، فأطلق النقل ها هنا عن أشهب في جمع الحاضر بين الصلاتين. وقد قدمنا نحن نص قوله وإشارته إلى أن يكون ذلك في وقتهما المختار.
والجواب عن السؤال الرابع: أن يقال: الجمع بين الصلاتين لأجل المطر رخصة. وقد أطلق مالك في المختصر القول بأنه سنة. قال بعض الأشياخ معناه أنه مما عُمل به. وسُن لنا أن نترخص بعمله، وإنما الجمع رخصة. وفي الموازية الجمع في السفر توسعة ورخصة لمن احتاج إليه وليس ذلك بسنة لازمة. وهكذا ينبغي أن يتأول قول مالك في المجموعة: سنة الجمع ليلة المطر أن ينادى للمغرب. على معنى أن من أخذ برخصة الجمع فسنة الجمع وطريقته كذا وكذا. وقد قال ابن قسيط في المدونة الجمع ليلة المطر سنة وقد صلاها