للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو بكر وعمر رضي الله عنهم على ذلك. وهذا يمكن أن يتأول أيضًا كما تأولنا قول مالك.

والجواب عن السؤال الخامس: أن يقال: قد ذكرنا أن المطر عذر يحيى الجمع. فإن لم يكن مطر ولكن كان طين وظلمة، فإن الجمع جائز أيضًا لأن الضرر بالتصرف في الطين في الليلة الظلماء كالضرر بالتصرف في الليلة المطيرة. فإن كان الطين والليلة مقمرة فظاهر المذهب منع الجمع لأن ضياء القمر يقوم مقام ضياء الشمس فلا يشق التصرف في الطين في الليلة المقمرة إلا كما لا يشق التصرف فيه بالنهار. والجمع معتبر بالمشقة. وقد قيل لمالك رضي الله عنه في العتبية ربما ينجلي المطر ويبقى الطين أيجمعون؟ قال نعم.

قال بعض أشياخي ظاهر هذا إجازة الجمع بمجرد الطين وإن لم تكن ظلمة. قال وكذلك قوله: "إذا كان الطين والوحل الكثير أرجو أن يكون له سعة في أن يصلي في بيته" يقتضي جواز الجمع لعذر (١) الوحل. وفي هذا الذي قاله نظر لأنه إنما أباح له التأخر عن الجماعة لأجل الوحل. وقد لا يحيى تقدمة الصلاة قبل الوقت لأجل الوحل لكون التقدمة قبل الوقت آكد من ترك الجماعة. فإذا أمكن أن يكون هذا المعنى قصد، فلا وجه لإلزامه ما قال. وقد ورد في الحديث إباحة التأخر عن الجماعة لأجل العذر. وفي الحديث الثابت إذا كانت ليلة باردة.

وفي بعض الروايات ليلة ذات برد وريح أمر عليه الصلاة والسلام المؤذن أن يقول: "ألا صلوا في الرحال" (٢). وقد خرج من محصول ما قدمناه أن الأسباب التي لها مدخل في الجمع ثلاثة: مطر، وطين، وظلمة. فإن اجتمعت جاز الجمع. وكذلك إن اجتمع منها اثنان ما كانا. وإذا انفرد منها واحد فكان المطر جاز الجمع. لان كان الظلام لم يجز وإن كان الطين فقدلان: المنع على ظاهر المذهب والجواز على ظاهر المستخرجة.

والجواب عن السؤال السادس: أن يقال: أما وقت الجمع، فإن ابن حبيب حكى عن مالك أنه ينادي للمغرب أول الوقت، وإنما نودي لها حينئذٍ ليعلم


(١) لأجل - قث.
(٢) رواه مالك والبخاري ومسلم. الموطإ ص ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>