للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالوقت من لا يجمع معهم. ويعلن بالأذان في المنار. وأما الأذان للعشاء فقال مالك يؤذن لها في داخل المسجد في مقدَّمه. وقال ابن حبيب يؤذن لها في صحن المسجد أذانًا ليس بالعالي. وقد قدمنا في باب الأذان الاختلاف في تكريره في صلاتي الجمع بما يغني عن إعادته ها هنا. فإذا أذن للمغرب في الوقت المذكور فهل يؤخر فعلها أم لا؟ اختلف قول مالك في ذلك. فالمشهور عنه تأخيرها قليلًا. وروي عنه أيضًا تصلّى بإثر الأذان لها من غير تأخير، وبه قال ابن وهب. ورواه البرقي عن أشهب. فوجه القول بتأخيرها مراعاة التقرب من الوقت المختار للعشاء. ووجه نفي التأخير أن الجمع للرفق والانصراف قبل الظلمة. وهذا إنما يتحصل مع التعجيل. وأيضًا فإن إيقاع المغرب أول وقتها أفضل. وقد قال بعض أشياخنا شأن الناس اليوم تأخير المغرب. فمن صلى المغرب في أول وقتها المعتاد فقد أخر التأخير المراد. وإنما أشار مالك إلى التأخير عن الوقت الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصليها فيه. وقد قال رافع بن خَديج كنا ننصرف من الصلاة وإن أحدنا ليرى مواقع نبله. وأشار شيخنا هذا إلى أن الأولى عنده التخيير في صلاة المغرب بين أن تقدم عند الغروب لأنه الوقت الأفضل فيها، ولم تدع ضرورة إلى تأخيرها. أو تؤخر وتجمع مع العشاء. وأما العشاء فيختار فيها ما قاله في المدونة أن ينصرف الناس وعليهم إسفار (١). لأن تقدمتها عن هذا لم تدع إليه ضرورة وتاخيرها عنه يوقع في الضرر. وفي الذي قاله نظر، لأن التخيير في أن يصلي المغرب أول الوقت ثم يؤخر العشاء إلى أن ينصرف الناس وعليهم إسفار، فيه إيقاع العشاء قبل وقتها غير مجموعة لما قبلها. وإنما جاءت التقدمة مع الجمع. والتقدمة مع التفرقة لم تنقل. ولم يصحبها عمل. ألا ترى أن التنفل بينهما منهي عنه علي أحد القولين، لأن في فعله إحالة لمعنى الجمع. وقد كنا قدمنا ذكر ما في ذلك من إحالة معنى الجمع.

فإذا قلنا بالتأخير على القول المشهور فما مقداره؟ قال في المدونة يؤخرون المغرب شيئًا ثم يصلونها ثم يصلون العشاء وينصرف الناس وعليهم


(١) أسفار قليل - قث.

<<  <  ج: ص:  >  >>