للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إسفار قليل. وقال أشهب في مدونته: إذا كان المطر، تؤخر المغرب إلى غيبوبة الشفق ثم يجمع. قال مالك في مختصر ابن عبد الحكم تؤخر المغرب ثم تصلى ثم يؤذن للعشاء ويطولون حتى يغيب الشفق أو معه ثم تصلى، وهذا الذي قاله في المختصر وذهب إليه أشهب يكاد أن يُخرج الجمع عن معناه. لأن معناه الرفق بالناس ورفع ما يدركهم من المشي في المطر والطين عند شدة الظلمة والتأخير إلى غيبوبة الشفق أو ما قرب من غيبوبته قربًا كثيرًا يوقع في الضرر الذي كان الجمع لرفعه وإزاحته. وإذا كانوا يصلون العشاء بعد أن غاب الشفق فلا معنى لتأخير المغرب عن وقتها المختار. ولا فائدة في ذلك وهو قد قال في المختصر تؤخر المغرب مع قوله يطول أذان العشاء حتى يغيب الشفق أو معه. وهذا فيه نظر كما قررناه (١).

والجواب عن السؤال السابع: أن يقال: أما التنفل بين العشاءين إذا جمع فاختلف المذهب فيه. فقال مالك لا يتنفل بينهما. وكل صلاتين يجمع بينهما فليس بينهما نافلة. ووجه هذا قد تقدم. وذكرنا أن التنفل بين المجموعتين يحيل معنى الجمع. وإذا كان محيلًا له ونافيًا لمعناه لم يحسن كما لم يحسن التنفل في السفر لكونه منافيًا (٢) لمعنى التخفيف بوضع شطر الصلاة عند من ذهب إلى ذلك. وأجاز ابن حبيب التنفل بينهما وكأنه رأى أن تَنَفل من في المسجد ما دام المؤذن يؤذن للعشاء الآخرة لا يحيل معنى الجمع، لأن الناس ينتظرون المؤذن حتى يفرغ. وقد قال بعض المتأخرين ما قاله مالك مبني على تقدمة العشاء لما في ذلك من الرفق. وما قاله ابن حبيب مبني على جواز التأخير بعد الأذان ليتنفل من يريد. وأشار إلى تخريج الخلاف في التنفل على التقديم والتأخير، وهذا حكم التنفل بينهما.

وأما التنفل بعدهما فقد قال مالك في المستخرجة لا يتنفل بعد العشاء في المسجد. وقال أيضًا لا يُوترون في المسجد ولكن في منازلهم بعد مغيب الشفق. فأما التنفل بعد العشاء فيمكن أن يكون نهي عنه لأنه إنما أبيح الجمع


(١) قدمناه - قث.
(٢) مناقضا - قث.

<<  <  ج: ص:  >  >>