وقع المطر بعد صلاة المغرب. وفي الذي قاله نظر لأنه وإن قال بتقدمة الصلاتين أول الوقت فإنه قد ينهى هاهنا عن الجمع لأنهم لم يصلوا المغرب بنية الجمع. وقد اختلف المذهب فيمن صلى المغرب في بيته ثم أتى المسجد وصلى الجامعون فيه المغرب هل يصلي معهم العشاء أم لا؟ فقال بعض المتأخرين محتجًا لما في المدونة من الجواز: إن المغرب تؤدى في وقتها ولا تأثير لها في جواز تقديم العشاء، وإنما تقدم العشاء للتخفيف ولتحصيل فضل الجماعة. وهذا يحتاج إليه من صلى المغرب في بيته كما يحتاج إليه من صلاها في المسجد. قال ووجه الرواية الثانية: إن تقديم العشاء إنما أبيح لحكم الجمع ولذلك وصف به. ولو لم يكن للجمع فيه تأثير لوصف بتقديم العشاء خاصة.
فإذا فات معنى الجمع امتنع تقديم العشاء، فإن صلاّها معهم على القول بالنهي فقد أساء ولا يعيد لأنه مما اختلف فيه. وكان النهي على معنى الاستحباب لما في الوقت من الاشتراك. وبنفي الإعادة قال ابن عبد الحكم وأصبغ. والتعليل في هذه المسألة بأن معنى الجمع إذا فات امتنع تقديم العشاء، يشير إلى ضعف التخريج الذي حكيناه عن بعض المتأخرين في مسألة وقوع المطر بعد صلاة المغرب. وقد ذكرنا الاختلاف في المطر لو وقع بعد صلاتهم المغرب.
فلو كان ارتفع بعد صلاتهم المغرب وقد صلوها بنية الجمع. قال أبو محمَّد عبد الحق لا يمنع من الجمع إذ لا يُؤمن من عودة المطر. والأوْلى عندي مراعاة شاهد الحال. فإن كف المطر كفًا ظهر معه من الصحو ما يؤمن معه من عودة المطر فإنهم لا يجمعون، وكثيرًا ما يقلع المطر إقلاعًا يغلب على الظن معه أنه لا يعود عن قرب. ووقع في العتبية إذا كان المطر لا ينقطع وليس لتعجيلهم منفعة لدوامه، فلا بأس أن يجمعوا. وكذلك ذكر فيها أيضًا إذا كانوا في رمضان لا ينصرفون حتى يقنتوا، إن الأحب ألا يجمعوا فإن جمعوا ثم قنتوا فهم في سعة. وحكى ابن أبي زيد عن أبي بكر أنهم إذا جمعوا ثم قنتوا فعليهم إعادة العشاء. قال أبو محمَّد إنما لم ير مالك الإعادة لأنه لا بد أن ينصرف بعضهم، وأحب إلى أن يكون للأقل حكم الأكثر. فأنت ترى هذا الاضطراب في إجازة الجمع بمجرد المطر دون أن يصحبه ارتفاق بالجمع. وما قاله أبو بكر بن