للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللباد من تأكد النهي عن الجمع هو أولى، لأنه قد عقل معنى الجمع في الشرع، وأنه حيث ما وقع إنما وقع للارتفاق به كما ذكرناه في جمع الحجيج بعرفة والمزدلفة، والجمع في السفر. وكذلك الجمع في المطر إذا لم يحصل به ارتفاق فلا معنى له. ولما استشعر أبو محمَّد صحة هذا الذي قلناه اعتذر عن مالك بأنه إنما وسع فيه إذا وقع مراعاة لحق من يريد الانصراف، ثم أشار إلى مراعاة عدد من يحب الانصراف هل هم الأكثر فيغلب حقهم في الجمع أم لا؟ وهذا الذي قاله من اعتبار حكم أكثر له أصل في الشرع وطريقة في النظر.

والجواب عن السؤال التاسع: أن يقال: اختلف الناس في جواز الجمع لأجل المرض فاجازه مالك *رضي الله عنه على الجملة* (١). ومنعه الشافعي رحمه الله وابن نافع من أصحابنا. وحكى ابن مزين عن ابن نافع أنه لا يجمع قبل الوقت ورأى أنه يصلي كل صلاة لوقتها. فمن أغمي عليه حتى ذهب وقته لم يكن عليه قضاؤه. فاحتجت الشافعية بان الجمع لأجل الارتفاق في جمع الحجيج وجمع المسافر معلوم. ولا ارتفاق في جمع المريض بل إيقاعه الصلاتين مفترقتين أسهل عليه وأرفق به. ورأى أصحابنا أن لجمعه معنى. إما تحصيل الصلاة في وقتها الضروري إذا خاف أن يغمى عليه في وقتها الاختياري حتى يفوت. صاما لأن تحريكه (٢) مرة لصلاة واحدة أسهل عليه وأرفق به من أن يتحرك لها مرتين، أو يفتقر إلى وضوء ثان للصلاة الثانية إن لم يجمعهما. وإذا ثبت العذر والارتفاق جاز الجمع كجمع الحجيج وجمع المسافر. لا سيما وقد ذهب ابن سيرين وابن المنذر إلى إجازة الجمع للحاضر من غير عذر لما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر من غير خوف ولا سفر (٣). وروي من غير خوف ولا مطر. وقد كنا قدمنا أن بعض المتأخرين حكى عن أشهب أنه قال: إن للمقيم رخصة في المجمع بين الصلاتين غير عذر مطر ولا مرض. وأشار إلى أن أشهب يوافق ابن سيرين وقلو قدمنا نص ما وقع لأشهب في هذا. فإذا كان هؤلاء


(١) ما بين النجمين ممحو -و-.
(٢) هكذا في جميع النسخ ولعل الصواب تحركه.
(٣) انظر حرز الأماني ج ٥ ص ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>