للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب عن السؤال السادس: أن يقال: أما الراعف فقد اختلف المذهب فيه إذا رعف، وقد عمل بعض أجزاء الركعة. إما القراءة خاصة أو القراءة والركوع أو القراءة والركوع وسجدة واحدة؟ هل يعتد لما عَمِله من ذلك ويبني عليه أو يلغيه ويستأنف جملة عمله (١) إذا عاد؟ فمذهب مالك في المدونة الإلغاء. ومذهب ابن الماجشون وابن حبيب الاعتداد بما عمل والبناء عليه. وقد روى ابن وهب أيضًا عن مالك الجنوح إلى هذا الذي حكيناه عن عبد الملك، وأنه لو فعله الراعف لأجزأه. وسبب هذا الاختلاف ما كنا قدمنا الإشارة إليه في مواضع من تقابل أمرين تجب الموازنة بينهما أيها أخف فيرتكب؟ وذلك أن تكرير العمل في الصلاة خارج عن أصل ما شرع. وتفرقة أجزاء الركعة بعضها عن بعض خارج أيضًا عن أصل ما شرع فيها. فأي هذين الخروجين أخف فيرتكب؟ وفيه وقع الخلاف. والأولى ترك الإعادة والبناء على ما مضى إذا قيل بصحة البناء في الرعاف. لأن الراعف قد دخلت التفرقة في صلاته. فلا فرق بين أن تدخل بين ركعاتها أو بين أجزاء ركعاتها. وتكرير العمل لم يدخل صلاته.

فإحداث أمر لم يكن مراعاة لأمر قد كان لا معنى له.

فإذا قلنا أنه يبني على ما مضى فإنه يرجع إلى الحالة التي عليها قطع. فإن لم يكن فرغ من القراءة قرأ من حيث انتهى. وإن كان فرغ من القراءة ركع إذا رجع. وإن رعف في مبتدأ جلسته قبل أن يتشهد رجع إلى الجلوس والتشهد.

وإذا قلنا أنه لا يبني وأصابه الرعاف في أول ركعة وألغى ما عمل، فهل يلغي الإحرام أو يبني عليه؟ اختلف فيه فقال ابن القاسم وأشهب يبتدىء الإحرام. وقال سحنون لا يبتديه. وقد كنا قدمنا الاختلاف في صحة البناء فيمن لم يعقد من الصلاة ركعة. وذلك اختلاف وتوجيهه عائد ها هنا. وقد قال بعض المتأخرين إن الإحرام ركن قائم بنفسه كالركعة التامة فصح البناء عليه بخلاف بعض الوكعة. فأشار بهذا إلى التفرقة بين إلغاء ما لم يكمل من أجزاء الركعة الأولى وترك إلغاء الإحرام منها. وإن أجزاء ما عمل منها إنما اختلفت في


(١) ويستأنف عمله - قث.

<<  <  ج: ص:  >  >>