للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالشبه بالموضع الأصلي في إقامة الجمعة، فاعلم أن أبا ثور قد أفرط (١) لما قال إنها كسائر الصلوات على حسب ما قدمنا حكايته عنه. كما أن أبا حنيفة أفرط إذ لم يقمها إلا في الأمصار كما حكيناه عنه. فأما أبو ثور فإنا قدمنا الإشارة إلى الرد عليه وعلى من قرب (٢) طريقته بما ذكرناه من أن الأصل صلاة الظهر، وأن الجمعة صلاة شرعت وخصت بشرائط وأوصاف بخلاف غيرها من الصلوات فوجب ألا تقام إلا حيث يتحقق وجود تلك الشروط والأوصاف.

وأيضًا فقد قال تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (٣). وهذه إشارة إلى إقامتها بموضع يمكن فيه التبايع وهذا لا يكون إلا في المواضع التي أشار مذهبنا إليها. وأما أبو حنيفة فإنا نستدل عليه بقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}. وهذا خطاب يتناول القرى التي أشرنا إليها كما يتناول الأمصار التي حُمل الخطاب عليها. وأيضًا فقد قال ابن عباس: إن أول جمعة جُمّعت بعد جمعة بالمدينة لجمعة جمعت بجؤاثى من البحرين من قرى عبد القيس. فإذا ثبت الجمع بجؤاثى ولم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - *أنكره والأظهر ظهر أنه يتصل به دل ذلك على صحة ما قلناه* (٤). وأما أبو حنيفة فإنه يستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا جمعة ولا تشرين إلا في مصر جامع (٥). وقد أجيب عن هذا بأنه موقوف على علي ابن أبي طالب رضي الله عنه. وأيضًا فإنه مرسل فإن الأعمش رواه عن سعيد ولم يصله. وأيضًا فإن كل قرية هي قرار، لأهلها مصر، كما أن كل مصر قرية *كلا وقد سمى الله مصر قرية* (٦) لقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} (٧).

وتسمى مكة أم القرى. وليس على العرف الآن: على ترك تسمية القرية مصرًا


(١) فرق -و- ولعل الصواب فرط.
(٢) قويت -و-.
(٣) سورة الجمعة، الآية: ٩.
(٤) ما بين النجمين هو -و-.
(٥) رواه عبد الرزاق في مصنفه موقوفًا على علي كرم الله وجهه ولم يثبت رفعه. نصب الراية ج ٢ ص ١٩٥.
(٦) ما بين النجمين = ساقط من -و-.
(٧) سورة يوسف، الآية: ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>