للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ (١)». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

٧ - عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَا: لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (٢) طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً (٣) لَهُ عَلَى وَجْهِهِ (٤)، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا (٥) كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا (٦). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.


(١) هذه كناية عن تقدُّم كتابة المقادير كلها، والفراغ منها من أمد بعيد.
(٢) أي: نزل به الموت - صلى الله عليه وسلم -.
(٣) الخميصة: ثوب أسود أو أحمر له أعلام.
(٤) أي: يجعلها على وجهه من الحمى.
(٥) أي: إذا احتبس نَفَسُهُ عن الخروج.
(٦) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «القاعدة الجليلة» (ص: ٣٠): «فحرَّم - صلى الله عليه وسلم - أن تُتَّخذ قبورهم مساجد يُقصَد الصلوات فيها كما تُقصَد المساجد، وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده؛ لأن ذلك ذريعة إلى أن يقصدوا المسجد لأجل صاحب القبر ودعائه والدعاء به والدعاء عنده. فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اتخاذ هذا المكان لعبادة الله وحده؛ لئلا يُتخَذ ذلك ذريعة إلى الشرك بالله، كذلك لما نهى عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، نهى عن قصدها للصلاة عندها؛ لئلا يُفضي ذلك إلى دعائهم والسجود لهم؛ لأن دعاءهم والسجود لهم أعظم تحريمًا من اتخاذ قبورهم مساجد.
ولهذا كانت زيارة قبور المسلمين على وجهين: زيارة شرعية وزيارة بدعية.
فالزيارة الشرعية: أن يكون مقصود الزائر الدعاء للميت، كما يقصد بالصلاة على جنازته الدعاء له.
وأما الزيارة البدعية: فهي التي يُقصَد بها أن يطلب من الميت الحوائج، أو يطلب منه الدعاء والشفاعة، أو يقصد الدعاء عند قبره لظن القاصد أن ذلك أجْوَبُ للدعاء، فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة لم يشرعها النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا فعلها الصحابة، لا عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عند غيره، وهي من جنس الشرك وأسباب الشرك.
ولو قصد الصلاةَ عند قبور الأنبياء والصالحين من غير أن يقصد دعاءهم والدعاء عندهم؛ مثل أن يَتخذ قبورهم مساجد، لكان ذلك محرَّمًا منهيًّا عنه، ولكان صاحبه متعرضًا لغضب الله ولعنته، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد». وقال: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك». فإذا كان هذا محرمًا وهو سبب لسخط الرب ولعنته، فكيف بمن يقصد دعاء الميت والدعاء عنده وبه، واعتقد أن ذلك من أسباب إجابة الدعوات ونيل الطَّلبات وقضاء الحاجات؟! وهذا كان أول أسباب الشرك في قوم نوح وعبادة الأوثان في الناس». اهـ باختصار.

<<  <   >  >>