وأما الطول فإن أهل المغرب من اليونانيين والروم نظروا أقصى عماراتهم فكان ذلك منها بالقرب من البحر المظلم الآخذ على ما بين شمال المغرب وجنوبه فصيروه الحد، ثم جعلوا نهاية الطول في المشرق على مسافة اثنتي عشرة ساعة وهو ثمانون ومئة درجة مستقيمة. إذ كان جميع دوائر آفاق البلدان يقطع من الفلك ظاهراً وباطناً على هذا المقدار، وأما أهل المشرق من الهند ومن يليهم ومن الصين وغيرها فإنهم خالفوا اليونانيين فجعلوا أول المشرق خلف الذي جعله أولئك بثلاث عشرة درجة ونصف وهو قدر ساعة إلا عشراً، ثم جعلوا حد المغرب دون ما جعله أهله بهذا المقدار، وصار كل واحد من الفرقتين يجعل قبة الأرض التي يحسب عليها مواضع الكواكب على تسعين درجة من حده الذي حده، فأما أهل المشرق فإنهم جعلوا مبتدأ العمران من حيث يبلغه البالغ في أقاصي الصين كالمواضع التي يبلغها البالغ بعد حدود الأقاليم في الشمال ويكون أول مطلع الشمس على هذا الحد وهو نصف ليل أهل القبة التي وضع عليها حساب السِّند هند، فمن عمل بأطوال بطليموس من هؤلاء فإنه ينقص من أطواله ثلاث عشرة درجة ونصفا ليكون ما يبقي بعد مدينته من المغرب ثم ينقص ذلك من مئة وثمانين، فإن كان ما يبقى أقل من تسعين فمدينته خلف القبة إلى ما يلي المشرق، وإن بقي أكثر من تسعين درجة فمدينته دون القبة إلى المغرب، وإن بقي تسعون فهي تحت دائرة انتصاف نهار القبة، ومثال ذلك أن بطليموس جعل طول ظفار باليمن ثمانية وسبعين جزءاً، فإذا نقصناها من ثمانين ومئة جزء بقي مئة وجزءان وهو طولها من المشرق على حد المغربيين، وتطلع عليها الشمس بعد طلوعها على أهل القبة بأربعة أخماس ساعة، فهذا المقدار لمن أخذ بقول بطليموس، ومن أخذ بقول أصحاب السَّند هند فإنه ينقص من طول ظفار الذي ذكرناه ثلاث عشرة درجة ونصفاً، فيبقى أربع وستون درجة ونصف وهو طولها من المغرب عند من يرى رأي أهل المشرق، فإن نقص هذا الطول من طول ثمانين ومئة بقي مئة وخمسة عشر جزءاً ونصف وهو طولها من المشرق، وتطلع عليها الشمس بعد طلوعها على أهل القبة بساعة مستوية ونصف وخمس ساعة. وطول صنعاء عند حسابها من المشرق مئة وثمانية عشر جزءاً وهو يخالف طول ظفار