لما كانت الكواكب مشتركة التدبير في بقاع الأرض خالطة بين الوسط والطرف كان من حسن التأليف وانسياق النظام أن نذكر الكل ليعرف ما لجزيرة العرب من الطبائع الخاصيِّة والعاميَّة، وأن يظهر ما وسمها به الحكماء مما في أهلها موجود ومعاين، فأما في الجملة فإن العامر من الأرض الأعلى من ربيعها الشماليين هو عنده على ثلاث خبَّات متفاوتة. فالخبَّة الأولى ما كان من خط الاستواء تحت مجاري الكواكب إلى مسامته منقطع الميل من رأس السرطان، وذلك سمت ما بين مكة والمدينة وما حاذاه شرقاً وغرباً، والخبَّة الثانية من هذا العرض إلى ما زاد على الميل مثل نصفه، وذلك حيث يكون العرض ستة وثلاثين جزءاً من المشرق إلى المغرب، والخبَّة الثالثة من هذا العرض إلى أقصى العمران ومسامته من الفلك مدار بنات نعش.