قال: فالذين مساكنهم فيما بين رأس الحمل ورأس السرطان وهو ما بين خط الاستواء وموسط الحجاز وما أخذ أخذه شرقاً وغرباً فقد يعرض لهم أن الشمس يحرقهم ممرها على سمت رؤوسهم، فتكون أبدانهم سوداً وشعورهم سوداً جعدة كثيفة ووجوههم قحلة وجثثهم قصيفة وطبائعهم حارة وأخلاقهم في أكثر الأمر وحشية لدوام الحر في موضع مسكنهم واتصاله بهم. قال: وهم الذين نسميهم باسم عام الحبش. ولسنا نراهم على هذه الحال من الحرارة فقط بل يظهر الحر الشديد في الهواء المحيط بهم أيضاً في سائر الحيوان والنبات الذي عندهم. قال أبو محمد: إن الحكيم وإن نسب هذه الخبة إلى الحبشة فإن الحبشة أقل من فيها وفيها من هو أشد سواداً منهم ومن هو أصفى منهم ألواناً ومن يخالف الجميع بالبياض وباعتدال الألوان وبالخضرة والأدمة مثل ساكني طرف هذه الخبة من الصين ومن جزيرة العرب، ولذلك علل قد ذكرناها في كتاب سرائر الحكمة. قال بطليموس: وأما الذين يسكنون تحت مدار بنات نعش فإنهم لما كان بعدهم عن فلك البروج وعن حرارة الشمس بعداً كثيراً صار البرد عليهم أغلب ولما كان ما يصل إليهم من الرطوبة شيء كثير غزير الغذاء ولم يكن هناك حرارة تنشفها صارت ألوانهم بيضاء وشعورهم سبطاً وأبدانهم عظيمة مخصبة، وطبائعهم مائلة إلى البرد، وأخلاق هؤلاء القوم أيضاً وحشية لدوام البرد في مواضع مساكنهم اتصاله، وكلما وجد فيهم فهو موجود في دوابهم وثمارهم من العظم والقوة واختلاف التأليف.