قسم ما بين المشرق والشمال: وأما الربع الثالث الذي في ناحية شمال المشرق من بلاد آسيا العظمى، فإن ما يحوي من البلاد أرمينية العليا وأرمينية السفلى والسّغد ومدينتها سمرقند وطبرستان وجرجان وموقان وآذربيجان والخزر وجيلان واللان وياجوج وماجوج، وخراسان وتبت وأرض الترك وأرض التّغزغز وسوروما طقا وهي بلاد النساء اللواتي يقطعن أثداءهن ويلقين الحرب، ولتدبير المشتري وزحل هذا القسم صار الغالب على أهل هذا القسم الغنى والجدة، ويعظمون المشتري وما لهم من الجوهرتين العتيقتين كثير، وهم أهل نظافة في المطعم والمشرب، حكماء ينظرون في الأمور الإلهية، وأخلاقهم أخلاق عدل أحرار وأنفسهم نبيلة قوية وهم مبغضون للشر يمقتون النميمة والسعاية، مودّتهم صحيحة يسهل عليهم بذل أنفسهم للموت دون قراباتهم، ومن استنصرهم في الأمور الحسنة المحمودة، مقتصدون في مجامعة النساء، أصحاب عفة وطهارة، يلبسون اللباس الكبير الثمن، ويجيزون الجوائز وهممهم رفيعة، ولهم دهاء ومكر وتعمق بالرأي والنظر، وذلك لاشتراك المشتري وزحل في المشرقية، فينفرد الجوزاء وعطارد من هذا الحيز بجرجان وطبرستان وأرمينية وما صاقبها، فصار أهل هذه المواضع أسرع حركة، وأميل إلى الخبث، وحسنت سيرتهم، وظهر خيرهم، وكثرت حيلهم ولطف مكرهم، وانكتمت أسرارهم لأجل خفة حركة، عطارد وطول اختفائه.
وينفرد الميزان والزهرة بأرض بلخ وأرض الشاش وماصاقبها، فلذلك صار أهل هذه البلدة كثيري الأموال محبين للموسيقى مترفين، وصار عليهم عيشهم ليناً نافعاً، وينفرد الدلو وزحل بالسُّغد وسوروماطيقا بلاد النساء المقطعات الثدي وما أخذ أخذها يريد الترك والخزر، فلذلك صار أهل هذه البلاد أعزاء أشداء أهل فظاظة وجفاء وأجسام قوية مع وحشية وزعارة وأخلاق كأخلاق السباع.
وأما باقي أجزاء هذا الربع الذي يلي وسط الأرض المسكونة وما يقع في جزيرة العرب منه أو يجاورها فآذربيجان وتخوم ديار ربيعة وديار مضر إلى ما