ما ينفقون، والسابقون الأولون منا ومن أهل النصرة مرجوون لأمر الله، فإن رأى الأمير حفظه الله أن يعطف علينا من قبل أن يزيغ قلوب فريق منا فعل فإن الإنسان خلق هلوعاً، إذا مسه الشر جزوعاً، وإذا مسه الخير منوعا، ولست أدري ماذا أعتذر به اليوم إلى الناس في أمري عن الأمير، وهم يعلمون أني قد رأيت فيه ثلثي أملي ولم ابلغ في نفسي ربع رجائي، أم ماذا ينتظر الأمير حفظه الله فيَّ بعد أن آتاه الله لملك، وعلمه الحكمة، ومكنه من خزائن الأرض وجعله في الدنيا وجيهاً، وفي الإسلام مكيناً، وعند الخليفة - أبقاه الله تعالى - مطاعاً أميناً، فمن يفر الأمير بعد هذه النعمة أو من يعذره مع هذه الكرامة، ومن يرضى منه بأقل من جبرانه إلا من سفه نفسه والسلام.
وكتب إلى يحيى بن خالد بن برمك يستمتع بالحجبيِّ: أما بعد حفظ الله أبا علي، وحفظ لك ما استحفظك من دينك، وأمانتك وخواتيم عملك، أما ما تحب أن ينتهي إليك علمه من قدوم الحجبي علينا، وما عمل به فينا، وعلى ما أصبح المسلمون معه قبلنا، فكل ذلك - بحمد الله ونعمه - على أفضل سرورك، وأعظم رجائك، ومنتهى أملك، من سكون الدهماء وأمان السبل، وحسن الحال وتتابع الأمطار، وقد اصبح الناس بحمد الله رحماء بينهم لا يسمع إلا سلام سلاماً، فلذلك أنَّ الحجبي لما قدم علينا فزع إلى خيار الناس وأهل الصلاح منهم فقربهم وأدناهم، وغلظ على أهل الفجور والريبة وأبعدهم وأقصاهم، وبعث لحملة القرآن فلما اجتمعوا إليه من أطراف البلاد وتخير الفقهاء وذوي الرأي منهم فجعلهم بطانته وأهل مشاورته، وبعث كثرتهم عمالاً على كثير من نواحي عمله، وعهد إليهم ما عهد إليه أمير المؤمنين في أخذ الصدقات والزكاة على وجوهها وقسم السُّهمان الخمسة موفَّرة بين أهلها، وأعلمهم أن أمير المؤمنين لم يأمره ولا من قبله من ولاة اليمن وغيرها إلا بالعدل والإحسان، وأن أمير المؤمنين يبرا إلى الله من ظلم كل ظالم وجور كل جائر وأنه قد خلع ما يتثقل به عن رقبته وجعله في دين